COP28.. ما الذي تم إنجازه وماذا يحدث لاحقا؟
عندما دوت مطرقة الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، رئيس مؤتمر الأطراف COP28 في ختام أعمال القمة، معلنة عن إنجاز "اتفاق الإمارات" التاريخي، اندفع مندوبو نحو 200 دولة إلى التصفيق وقوفا، في لحظة ستخلد في سجلات المناخ.
"نحن ما نفعل وليس ما نقول"، كانت هذه الكلمات للدكتور سلطان الجابر، في التصريحات التي أعقبت إعلان "اتفاق الإمارات"، بمثابة الجوهر الحاسم للعقلية التي أدارت بكفاءة، أسبوعين من المحادثات الصعبة التي هددها الانهيار قبل أيام فقط من ختامها، لتستعيد زخمها معلنة عن أول اتفاق في قمم الأمم المتحدة للمناخ يتضمن نصا يعالج دور الوقود الأحفوري بشكل مباشر، فيما يمكن وصفه بأنه أهم خطوة إلى الأمام في العمل المناخي العالمي منذ اتفاق باريس لعام 2015.
ومع ذلك، فإن اتفاق "اتفاق الإمارات" التاريخي لم يكن الإنجاز البارز الوحيد لقمة COP28، التي أذهلت العالم بما قدمته على مدار أيامها المتتالية، بداية من إعلان إنشاء صندوق الخسائر والأضرار في يومها الأول، وصولا إلى حشد أكثر من 85 مليار دولار من التمويل للعمل المناخي، بما في ذلك صندوق "ألتيرا" الذي أطلقته دولة الإمارات بقيمة 30 مليار دولار، فضلا عن كونه مؤتمر الأطراف الأكثر حضورًا حتى الآن حيث تم تسجيل أكثر من 80 ألف شخص.
اتفاقية COP28 التاريخية ترد على المشككين
صحيفة "ذا ناشيونال" الناطقة بالإنجليزية، اعتبرت في تحليل لها كتبه جون دينيهي الكاتب الأيرلندي والمحرر المساعد لدى الصحيفة، وتيم ستيكس، مراسل "ذا ناشيونال" في لندن، أن تلك النتائج كانت بمثابة "خطة أخرى" كشفت عنها دولة الإمارات، في رد عملي على النقاد الذين جزموا على نحو خاطئ بأنه لا يمكن انتظار الكثير من قمة مناخية تستضيفها دولة منتجة للنفط ويرأسها رئيس شركة أدنوك (وهي الحجة التي رددها المشككون متجاهلين المناصب المناخية البارزة الكثيرة التي تولاها رئيس COP28 ودوره في تحويل أدنوك نحو خفض الانبعاثات).
وأوضحت الصحيفة في التحليل الذي نُشر تحت عنوان "COP28.. ما الذي تم إنجازه وماذا يحدث لاحقا؟" أن الاتفاق النهائي الذي تم التوصل إليه في مؤتمر COP28 والذي يٌعرف رسميًا باسم "التقييم العالمي"، هو في الأساس تقييم لكيفية أداء العالم فيما يتعلق بالحد من الاحتباس الحراري العالمي.
وتابعت: "الجواب كان معروفاً قبل COP28: (أداء العالم) ليس جيداً. حيث حذرت الأمم المتحدة مراراً وتكراراً من أن العالم قد خرج عن المسار الصحيح ويتجه نحو ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 3 درجات مئوية، الأمر الذي من شأنه أن يعرض حياة وسبل عيش مليارات الناس للخطر، مشيرة إلى حرق الوقود الأحفوري كمحرك رئيسي للمشكلة".
ولفتت إلى أن مناقشات معالجة السبب الجذري للمشكلة، هيمنت على القمة، فظهرت تعديلات متكررة على نصوص مختلفة في مسودة الاتفاق، بينما نُشرت مسودة "مخففة اللهجة" في 11 ديسمبر/كانون الأول، مما أثار رد فعل عنيفًا من العديد من الأطراف، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والدول الجزرية الصغيرة.
وتلا ذلك جولات مكثفة من المحادثات، وذهبت القمة إلى يوم كامل إضافي، قبل أن تصدر مسودة جديدة في حوالي الساعة السابعة صباحًا بتوقيت دولة الإمارات.
ويدعو الاتفاق النهائي، الذي أُطلق عليه أيضًا "اتفاق الإمارات" التاريخي إلى "الانتقال من استخدام الوقود الأحفوري في أنظمة الطاقة، بطريقة عادلة ومنظمة ومنصفة... لتحقيق صافي الصفر بحلول عام 2050 بما يتماشى مع العلم".
ووفق تحليل الصحيفة، تعد هذه سابقة تاريخية، برغم أنه في المقابل تم تقديم امتيازات للدول النامية، ومستخدمي الفحم، ومصدري الغاز.
وقال سايمون ستيل، رئيس الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ: "على الرغم من أننا لم نطوي صفحة عصر الوقود الأحفوري في دبي، إلا أن هذه النتيجة هي بداية النهاية".
ولفتت "ذا ناشيونال" إلى أنه مع ذلك، فإن الاتفاق لا يلزم البلدان بإنهاء استخدام الوقود الأحفوري، ولا تزال البلدان النامية بحاجة إلى مليارات، إن لم يكن تريليونات الدولارات، للمساعدة في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة.
COP28 والمزيد من الإنجازات
أعلنت قمة COP28 عن بدء تشغيل صندوق الخسائر والأضرار في يومها الأول، مما أعطى زخما للمحادثات.
وقد تم التوافق على الصندوق في COP27، وتقوم فكرته على السعي إلى مساعدة البلدان الضعيفة على التعامل مع الآثار الشديدة لتغير المناخ، مثل الفيضانات الهائلة.
وقد بدأت الدول بالفعل في تكثيف جهودها والمساهمة على الفور في تمويل الصندوق، حيث تم التعهد بما لا يقل عن 792 مليون دولار لصالح الصندوق حتى الآن.
ويدعو اتفاق COP28 أيضًا إلى "الدعم المالي السريع" من الدول الغنية، وينتقد فشلها في الوفاء بتعهدها الذي وعدت به منذ فترة طويلة بقيمة 100 مليار دولار.
ومن بين الإنجازات التي أنتجتها مفاوضات COP28، دعوة البلدان إلى مضاعفة مصادر الطاقة المتجددة ثلاث مرات ومضاعفة كفاءة استخدام الطاقة بحلول عام 2030، كما حثت على أن يكون 2025 هو عام ذروة الانبعاثات على أن تنخفض لاحقا، فضلا عن هدف عالمي لوقف إزالة الغابات بحلول عام 2030.
11 مبادرة تاريخية.. تعهدات الإمارات تحفز العمل المناخي العالمي
وبعيدًا عن المحادثات التي سادها التحزب، سعت دولة الإمارات إلى دفع العمل المناخي من خلال 11 مبادرة تاريخية حول موضوعات مثل النظم الغذائية والصحة والتبريد وإزالة الكربون من الصناعات ذات الانبعاثات الثقيلة وتشجيع شركات النفط والغاز على خفض الانبعاثات.
على سبيل المثال، صادقت 159 دولة على إعلان الإمارات بشأن الزراعة والغذاء والمناخ، والذي يدعوا إلى وضع الغذاء في قلب أجندة المناخ من خلال ربط السياسات الزراعية بالخطط الوطنية للانبعاثات والتنوع البيولوجي.
كما قدم COP28 أول نظرة متعمقة على آثار تغير المناخ على الصحة. حيث حظي إعلان الإمارات حول هذا الموضوع بموافقة 144 دولة، مشددا على ضرورة مواجهة الارتباط بين تغير المناخ والصحة.
كما حظيت تعهدات أخرى بشأن كفاءة استخدام الطاقة، والهيدروجين، والميثان، وتمويل المناخ، وأنظمة التبريد، والتعافي والسلام (جعل البلدان والمجتمعات الهشة والمتأثرة بالصراعات أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ) بدعم واسع النطاق.
COP28.. هل سيحدث الفارق؟
يقول الكثير من المتشككين في مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ عموما إنها غير عملية، كما يُنظر إلى الحقيقة المتعلقة بكون موافقة جميع البلدان ضرورية لتمرير أي اتفاق على أنها تعيق اتخاذ إجراءات عاجلة.
ومع ذلك، فإن قمم المناخ الأممية هي واحدة من الساحات القليلة المتبقية التي تتمتع فيها كل الدول بصوت متساو مع نظرائها، بداية من الدول الجزرية الصغيرة وحتى القوى العظمى.
كما أسفرت بعض مؤتمرات الأطراف عن اتفاقيات تاريخية ذات أهمية خاصة مثل COP21 التي أنتجت للعالم اتفاق باريس للمناخ، الذي وصفته الأمم المتحدة بأنه قاد الكوكب إلى "عمل مناخي شبه عالمي".
ولكن لا يزال هناك الكثير مما يتعين القيام به، وهو المعنى الذي عبر عنه الدكتور سلطان الجابر رئيس مؤتمر الأطراف COP28، عندما قال "نحن ما نفعل، وليس ما نقول"، مشددا على أنه "يجب أن نتخذ الخطوات اللازمة لتحويل هذا الاتفاق (اتفاق الإمارات) إلى عمل ملموس".
ماذا يحدث مستقبلا؟
وفقا لتحليل صحيفة "ذا ناشيونال"، فإن الطريق الذي تم الاتفاق عليه في دبي هو الأساس الذي من المتوقع أن تبني عليه الدول جولتها القادمة من خطط المناخ الوطنية، المقرر عقدها في عام 2025.وستعمل دولة الإمارات وأذربيجان والبرازيل - بصفتها الدول المستضيفة لمؤتمرات الأطراف COP28 وCOP29 وCOP30 - معًا على "خارطة طريق لإنجاز مهمة "1.5 درجة مئوية" والدفع نحو تحقيق أهداف طموحة في تلك الخطط الوطنية.
وعلى المستوى الدولي، من المتوقع أن تركز المحادثات في مؤتمر COP29 بأذربيجان، المقرر إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، على جمع التمويل اللازم لتحويل رؤية دبي إلى واقع ملموس.
وسيكون الهدف الرئيسي لمؤتمر COP29 هو الاتفاق على هدف تمويل جديد للعالم النامي، خاصة بعد التعهد السابق من جانب الدول الغنية بتوفير مبلغ 100 مليار دولار في عام 2009، وهو التعهد الذي شهد بطئا في توفير الأموال مما أضر بالثقة في المفاوضات.
وقال سيمون ستيل إن الهدف الجديد يجب أن "يعكس حجم التحدي المناخي وإلحاحه"، حيث تقدر تكلفة تنفيذ التعهدات الخضراء بحوالي 5.9 تريليون دولار للعالم النامي.
ويدعو "اتفاق الإمارات" إلى الاستفادة من COP29 لمساعدة البلدان النامية على التكيف مع التأثيرات المناخية التي قد يكون الوقت قد فات لمنعها، ومن المقرر أيضًا معالجة التصحر والجفاف في عام 2024، وهو الأمر الذي ستتم مناقشته في المحادثات التمهيدية في بون بألمانيا خلال الصيف قبل قمة منفصلة في السعودية.
ثم في مؤتمر COP30 بالبرازيل - بعد عامين من الآن - ستقوم الدول بالإفصاح عن الجهود الوطنية التي بذلتها ضمن خططها في سبيل التحول الأخضر، وهو سيكشف ما إذ كانت قد استلهمت بالفعل روح قمة COP28 في دبي.
aXA6IDMuMTM2LjIyLjIwNCA= جزيرة ام اند امز