كانت السعودية من أكثر الدول حرصاً على حماية مواطنيها والمقيمين فيها من خطر الفيروس حيث قامت بقرارات شجاعة وتاريخية
مصيبة اليوم، هي فيروس كورونا المخيف، الذي انطلق من الصين ووصل في فترة وجيزة إلى بقية المعمورة، من الولايات المتحدة غربا، حتى اليابان شرقا، ومن أصقاع الشمال إلى صحاري الجنوب. أرقام ضحايا كورونا الجديد غير مسبوقة، فقد وصلت الإصابة بالفيروس إلى أكثر من مئة ألف في 93 دولة وتجاوزت الوفيات 4000 في أقل من 3 أشهر، والوباء لا يزال ينتشر بشكل سريع ومقلق. لأول مرة في التاريخ الإنساني يشترك العالم، البلدان المتقدمة والنامية، في حالة طوارئ واستنفار وتحالف، من أجل هذا الوباء المرعب "كورونا". تُقيد حركة النقل، وتُقفل المدارس، وتُلغى الأنشطة الرياضية والفنية، ويرتبك الاقتصاد العالمي.
"كورونا" سلط الضوء على الأسلوب الذي تعاملت من خلاله الدول التي وصل إليها الفيروس مع التحدي القائم أمامها، وكشف حقيقة طبيعة الأنظمة السياسية والبيئات الثقافية لكل من هذه البلدان. كان بمثابة امتحان لقدرات حكومات العالم الحقيقية
"كورونا" سلط الضوء على الأسلوب الذي تعاملت من خلاله الدول التي وصل إليها الفيروس مع التحدي القائم أمامها، وكشف حقيقة طبيعة الأنظمة السياسية والبيئات الثقافية لكل من هذه البلدان. كان بمثابة امتحان لقدرات حكومات العالم الحقيقية وكيف أن دولا تعاملت مع هذا الوباء بعقلانية وحزم ومسؤولية، وكان همّها صون صحة الإنسان وحياته، بينما أخرى تعاملت باستهتار وتساهل وقدّمت سمعتها السياسية على سلامة سكانها.
في الصين، كان رد الفعل الأول للسلطات هو تجاهل كل شيء والتعتيم عليه من خلال نفي حدوث تفشي الفيروس قبل أن تقرر الاعتراف بوجود الوباء. وعندما بلغ المرض الذروة، حجرت على الناس في منازلهم، وأوصلت إليهم حاجاتهم الحياتية بواسطة الروبوتات.
وتمكنت من قطع التواصل بين الطاقم الطبي والمصابين بتوزيع الأدوية والملابس والأطعمة على غرف المستشفيات بواسطة هذه المخلوقات الذكية. قدمت الصين نموذجاً مبهراً في تعاملها مع "كورونا" وأعلنت انتصارها على الوباء، حيث ظهر الرئيس الصيني في "ووهان" وكر الفيروس المرعب وهو يلبس الكمامة، وشاهدنا الفتيات الصينيات وهنّ ينزعن كماماتهن بفرح ويشهرهن نهاية معاناتهن.
كانت السعودية من أكثر الدول حرصاً على حماية مواطنيها والمقيمين فيها من خطر الفيروس، حيث قامت بقرارات شجاعة وتاريخية تظهر كيف يكون حرص الدول على شعوبها، فأمرت بإغلاق الحرمين ومنع العمرة، وعلّقت السفر من وإلى الدول التي ينتشر فيها الفيروس، وعلّقت الدراسة وجميع الأنشطة الرياضية والثقافية.
أما الإمارات، فقامت بقرار تاريخي بإغلاق المدارس، وتقديم عطلة الربيع، وأكدت عدم العودة قبل أقل من شهر، ولم تكتفِ بمعالجة مواطنيها ومقيميها والقادمين إليها، بل جلبت رعايا الدول الشقيقة والصديقة من الصين، بعدما تقطعت بهم السبل، وأعلنت عن تكفلها برعايتهم ومعالجتهم والاطمئنان على صحتهم، ومن ثم نقلهم إلى بلدانهم بعد التأكد التام من سلامتهم.
أما إيران ونظامها البائس، فقد تكتمت على انتشار "كورونا" في البلاد، حيث صمت النظام وأنكر، قبل أن يُضطَر للاعتراف، بعدما فتك الفيروس بالشعب الإيراني المغلوب على أمره، وتحولت إيران انطلاقاً من مدينتي قمّ ومشهد، إلى واحدة من أخطر البؤر التي تحتضن الفيروس بعد الصين وإيطاليا، وتسببت بنشر الوباء للدول المجاورة لها.
أما إيطاليا؛ فيبدو أن الانقسامات السياسية التي دفعت بالبلاد إلى أزمة ممنهجة عبر سلسلة من الحكومات غير المستقرة كان لها تأثيرها على تعامل روما مع وصول الفيروس إلى أراضيها. قدّمت الحكومة الإيطالية التحيزات الحزبية على اعتبارات السلامة العامة، حيث فرضت حجراً صحياً على المناطق التي يحظى داخلها خصومها بقاعدة تأييد قوية، لم تقرّ أي إجراءات ولا حتى في صورة أخفّ داخل باقي أرجاء البلاد. ولذلك، فرّ أكثر من مليون شخص من المنطقة المحظورة نحو وسط وجنوب البلاد، لينتشر الفيروس في جميع الأقاليم وتصبح إيطاليا الأعلى في عدد الإصابات والوفيات بعد الصين.
داخل بريطانيا العظمى؛ كان تصريح رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون حول الفيروس صادماً عندما صرّح بأن المرض سيصيب سبعين في المائة من شعبه، الأمر الذي جعل الناس يهرعون إلى المتاجر الكبرى لشراء السلع بسبب الذعر والهلع الذي أصابهم. وتحدثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالصيغة ذاتها، حيث ذكرت أن ثلثي شعبها لن ينجو من الإصابة.
في الولايات المتحدة، كان الرئيس دونالد ترامب قد أصدر تصريحات بنبرة هادئة مطمئنة حتى لا يُظهر بأن "كورونا" قد يتسبب بتراجع اقتصادي، وهو ما قد يجرد الرئيس ترامب من أكبر قصة نجاح يتشدق بها، ولكنه سرعان ما أعلن حالة الطوارئ الوطنية بعد انتشار الوباء في الولايات.
"كورونا" سلط الضوء على الأسلوب الذي تعاملت من خلاله الدول التي وصل إليها الفيروس مع التحدي القائم أمامها، وكشف حقيقة طبيعة الأنظمة السياسية والبيئات الثقافية لكل من هذه البلدان. كان بمثابة امتحان لقدرات حكومات العالم الحقيقية وكيف أن دولا تعاملت مع هذا الوباء بعقلانية وحزم ومسؤولية، وكان همّها صون صحة الإنسان وحياته، بينما أخرى تعاملت باستهتار وتساهل وقدّمت سمعتها السياسية على سلامة سكانها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة