كورونا والمناخ.. كيف استفاد العالم من الجائحة؟
في الوقت الذي أصاب فيه فيروس كورونا العالم بفزع شديد، كان له وجه آخر إيجابي فيما يتعلق بإحدى أهم قضايا البشرية، وهي التغير المناخي.
أسهمت إجراءات الإغلاق المؤقتة وتوقف العديد من المنشآت الصناعية عن العمل وقيود السفر، لا سيما في الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند في خفض انبعاثات الكربون لبعض الوقت بمعدلات كبيرة.
وجه آخر لفيروس كورونا
أظهرت دراسة أجراها معهد "بوتسدام" الألماني لأبحاث تأثير المناخ، أن القيود المرتبطة باحتواء جائحة كورونا أدت إلى تراجع الانبعاثات الكربونية بنسبة 8.8% في النصف الأول من عام 2020 على مستوى العالم.
وانخفضت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار 1.6 مليار طن في الفترة المذكورة مقارنة بالفترة نفسها عام 2019.
وقالت الدراسة التي اعتمدت على بيانات من موقع "كربون مونيتور"، وهو موقع إلكتروني يتتبع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون اليومية - إنه في أبريل/ نيسان الماضي، وهو الشهر الذي فرضت فيه العديد من الدول إجراءات الإغلاق لأول مرة، وصل انخفاض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى 9,16% مقارنة بالعام السابق.
وقدر باحثون نسبة انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن الوقود الأحفوري بنهاية عام 2020 بنحو 7% بفضل جائحة كورونا.
وكانت الانبعاثات الناجمة عن قطاعات الصناعة والطاقة في 2019، قد وصلت إلى مستوى قياسي عند 37 مليار طن.
آثار كورونا غير كافية
لكن التراجع الكبير في انخفاض انبعاثات الكربون بفضل الوباء، لن يحد من التغير المناخي على المدى الطويل.
ويقول ريتشارد بيتس، رئيس وحدة البحوث بشأن التبعات المناخية في مركز ميت أوفيس هدلي سنتر، إن حجم الانخفاض بالانبعاثات سيحدث تغييرا طفيفا في مستوى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي".
وقد سجل معدل الحرارة على سطح الأرض ارتفاعا بواقع درجة مئوية واحدة مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، ما يكفي لحدوث موجات جفاف وحر قاضية وعواصف خارقة ناجمة عن ارتفاع مستوى مياه البحر.
وبموجب اتفاق باريس المناخي الصادر في 2015، تعهد نحو 195 بلدا بتقليص معدل ارتفاع الحرار إلى دون درجتين مئويتين.
- بالصور.. سنغافورة تكافح التغير المناخي ببساتين على أسطح ناطحات السحاب
- الإمارات تدرس مشروع قانون للحد من تأثيرات التغير المناخي
غير أن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة توصي بحصر معدلات الارتفاع الحراري في حدود درجة مئوية ونصف درجة.
وقد بيّنت الأزمة الصحية الحالية مدى صعوبة بلوغ هذا الهدف الطموح، ويتعين تراجع الانبعاثات بنسبة 7.6% سنويا خلال هذا العقد، من أجل السيطرة على ارتفاع حرارة الأرض في حدود درجة مئوية ونصف درجة، إلا في حال إيجاد وسائل أخرى لسحب الكربون من الغلاف الجوي، بحسب تقديرات العلماء.
الاستثمار في عالم ما بعد كورونا
تطرق تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2020 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى أهمية الاستثمار التعافي من آثار جائحة كورونا، من أجل مكافحة التغير المناخي.
وقالت الدراسة إنه على الرغم من الانخفاض القليل الذي حدث في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون نتيجة الإغلاقات المرتبطة بجائحة كوفيد-19، فإن العالم يتجه نحو ارتفاع درجات الحرارة بما يزيد عن 3 درجات مئوية هذا القرن، مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، بما يتجاوز أهداف اتفاق باريس للمناخ.
وأشار التقرير إلى الأمل في التعافي الأخضر من الجائحة والالتزامات المتزايدة للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية، مؤكدا أن العمل المناخي السريع والقوي يمكنه أن يغير مسار الارتفاع في درجة الحرارة.
وسلط تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة الضوء على الحاجة إلى استثمارات عاجلة في مجال العمل المناخي كجزء من خطط التعافي من تداعيات فيروس كورونا، بهدف تقريب العالم من تحقيق هدف اتـفاق باريس المتمثل في كبح ارتفاع درجة الحرارة إلى كيلا يتعدى درجتين مئويتين.
وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن التعافي الأخضر الحقيقي من الجائحة يمكن أن يوقف قدرا كبيرا من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ويبطئ تغير المناخ.
وحثت المسؤولة الأممية الحكومات على دعم التعافي الأخضر في المرحلة التالية من التدخلات المالية اللازمة لمعالجة تداعيات جائحة كورونا ورفع طموحاتها المناخية بشكل كبير في عام 2021.
وفقا للتقرير، يمكن للتعافي الأخضر أن يخفض الانبعاثات المتوقعة في عام 2020 بنسبة تصل إلى 25%، ويعزز من فرصة الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة عند مستوى أقل من درجتين مئويتين، بنسبة تصل إلى 66 في المائة.
وشدد التقرير على ضرورة إعطاء الأولوية لتدابير مثل دعم التكنولوجيا والبنية التحتية عديمة الانبعاثات، والحد من دعم الوقود الأحفوري، ووقف إنشاء المحطات التي تعمل بالفحم الحجري، وتعزيز الحلول القائمة على الطبيعة، بما في ذلك إصلاح المناظر الطبيعية وإعادة التشجير على نطاق واسع.