قبل البحث عن أي منهج، هناك خطوات مهمة وضرورية بدونها يتعثر الوصول إلى المنهج السليم
لكل أزمة منهج لإدارتها، هذا المنهج ببساطة هو الطريقة العلمية للتعامل معها، وغياب هذا المنهج يؤدي مباشرة إلى نقيضه وهو الفوضى.
كلما كانت الأزمة متكررة أو سبق حدوثها كانت فكرة توفر منهج التعامل معها سهلة ويسيرة.
حين نتحدث عن المنهج فليس معنى ذلك الثبات، أو "الكتالوج"، وإنما سنجد أن كل منهج يتبع المؤسسة أو الجهة التي تتبعه.
فالمؤسسات السياسية والدول لها منهج يختلف عن المؤسسات الاقتصادية، ويختلف عن بقية المؤسسات الأخرى ومنها الإعلامية.
قبل البحث عن أي منهج، هناك خطوات مهمة وضرورية بدونها يتعثر الوصول إلى المنهج السليم، أولى هذه الخطوات "تحديد الأزمة نفسها ومعرفة ماهيتها، وسبر جوانبها من جميع الجهات".
قبل البحث عن أي منهج، هناك خطوات مهمة وضرورية بدونها يتعثر الوصول إلى المنهج السليم، أولى هذه الخطوات "تحديد الأزمة نفسها ومعرفة ماهيتها، وسبر جوانبها من جميع الجهات"
هذا يحدث وبطرق مختلفة، شخصيا أفضّل طريقة تفكيك الأزمة؛ للتعرف عليها ومعرفة المسكوت عنها.
بالتالي فكرة التفكيك وإعادة التركيب مرة أخرى توصلنا بالتبعية إلى حقائق تجعل الوصول إلى المنهج سهلا.
بالتالي لو أردنا تطبيق ما نقوله على فيروس كورونا باعتباره أزمة فهذا يتطلب أولا معرفة كورونا عبر تفكيكها باعتبارها ليست مجرد فيروس فقط يقتل الناس وإنما أداة تغيير كبرى تضرب الدول والمنظمات والكيانات الكبرى.
هنا نبدأ بتفكيك أزمة كورونا.
أزمة كورونا عبارة عن فيروس، إذاً هي أزمة طبية تؤدي إلى موت البشر.
هنا نحن أمام طرفين للأزمة: طرف طبي وهو المختص بالأزمة، وطرف إنساني وهو الذي وقع عليه الضرر منها.
تحت الطرف الإنساني المتضرر تتوالى مجالات عدة تخص هذا الإنسان وهي:
تأثير الأزمة على المجال الاقتصادي.
تأثير الأزمة على المجال السياسي.
وتأثير الأزمة على المجال الاجتماعي.
أضيف هنا المجال الإعلامي لأنه سيكون حاضرا في جميع المجالات السابقة باعتباره أداة توصيل ونقل بين مجموع والناس وبين أطراف المجال نفسه .
ثانيا:
الأزمة نفسها لا بد أن نحدد هويتها وماهيتها.
فلو قارناها بالحرب العالمية الثانية مثلا، ثم قارناها بتسونامي الذي ضرب إندونيسيا أو بالكساد الكبير الذي ضرب أوروبا وأمريكا عام 1929.
سنجد أن أزمة كورونا متفردة في الاختلاف.
فهي أزمة قد تحدث نفس التأثير الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية، لكنها لا تشبهها وقد تحدث التغير الذي أحدثه الكساد الكبير عام 1929 لكنها لا تشبه.
هي ليست أزمة حربية وليست أزمة اقتصادية وليست أزمة بيئية، وإنما هي أزمة تتشابه مع أزمات سابقة أحدثتها أوبئة، وهذا هو تشابه النمط الوحيد مع أزمة كورونا.
وحين نبحث عن أنماط متشابهة مع الأزمة تكون غايتنا استدعاء المنهج الذي اتبع مع تلك الأزمة وإعادة تطبيقه مع الأزمة الحالية.
أعود إلى الأنماط المتشابهة مع أزمة كورونا.
هذه الأنماط المتشابهة تعيدنا إلى أربعة تواريخ مهمة لكن جميعها بعيد، حدث من زمن مضى.
أقربه لنا 1920 وهو تاريخ انتشار وباء الإنفلونزا الإسبانية الذي راح ضحيته 100 مليون إنسان.
وقبله 1820 حين ضرب فيروس الكوليرا العالم.
وقبله 1720 وهو تاريخ انتشار الطاعون حين بدأ من مدينة مارسيليا الفرنسية.. هذه التواريخ شديدة الأهمية لسببين:
أن أقرب أزمة وبائية ضربت العالم كانت 1920 الإنفلونزا الإسبانية.
وبالتالي لو أردنا استدعاء المنهج الذي اتبعه العالم معها فلن نعثر عليه؛ لأنه ببساطة ليس هناك ممن عاصر تلك الأزمة ما زال على قيد الحياة.
وبالتالي تصبح كورونا بالنسبة لنا كأزمة وبائية كأنها تحدث لأول مرة، أو هي كذلك حتى بالنسبة للأجيال التي عاصرتها هي تحدث لأول مرة، لا أقصد وباء كورونا بالتحديد وإنما أقصد الأزمة الوبائية في حد ذاتها.
البعض سيحاول أن يستحضر السارس، لكن السارس وإنفلونزا الخنازير بالنسبة لكورونا شيء عابر ومختلف.
من هنا، على من يبحث عن منهج للتعامل مع أزمة كورونا، أن يعتبرها أزمة وبائية فريدة تحدث لأول مرة.
هذا يترتب عليه خلق منهج جديد وليس استدعاء مناهج سابقة.
ولأن المنهج المفروض أن يتم خلقه من جديد هو غير موجود على الأقل في بداية الأزمة لذلك رأينا أن الارتباك كان سيد الموقف على جميع الصعد؛ السياسية والإعلامية والاقتصادية وحتى على مستوى الناس.
هذا الارتباك يتعمق أكثر إذا كنا أمام أزمة من نوعية انعدام مرحلة الماقبل.
أي أزمة غير قابلة للتوقع بحدوثها.
لأن في تصنيف الأزمات هناك ما يسمى بمراحل الأزمات، فكل أزمة تمر بثلاث مراحل:
مرحلة الماقبل، وهنا تقسم الأزمات إلى نوعين:
أزمة يمكن التوقع بحدوثها مثل الحروب أو الأزمات الاقتصادية.
وأزمة لا يمكن التنبؤ بحدوثها مثل الأزمات البيئية كالزلازل والبراكين.
ثم مرحلة الأثناء.
ثم مرحلة ما بعد.
أزمة كورونا من الأزمات التي ليست لها مرحلة "ماقبل" فهي من النوع غير القابل للتوقع.
وبالتالي لها مرحلتان، الأثناء والمابعد.
وكل الأزمات التي ليست لها مرحلة ماقبل تكون مربكة.
لأنها تفرض نفسها فجأة بدون سابق إنذار.
هنا يتساوى الجميع في الإرباك، الدول المتقدمة والدول الهشة.
رأينا ترامب أول أيام الأزمة في مؤتمراته الصحفية يقول: "سنهزم كورونا"، بعدها بأسبوع قال: على الأمريكيين أن ينتظروا أياما سوداء وقاسية.
هكذا فعل "بوريس جونسون" رئيس وزراء بريطانيا حين قال: على الجميع أن يستعد لتوديع أحبابه. وفي النهاية هو نفسه أصيب به.
من أين جاء الارتباك في التعامل مع كورونا؟
جاء من تزامن التفكير في المنهج الذي يحتاجونه في نفس وقت وقوعه، بالإضافة إلى أنه ليس لدينا منهج سابق يمكن أن نستدعيه من أحداث متشابهة وقعت سابقا.
وبالتالي وقع الجميع في أزمات كبرى نتجت عن اتباع مناهج لا تلائم الأزمة والحالة.
أبرز الأخطاء التي وقعت كانت نتيجة تطبيق منهجين:
الأول: المنهج الذي اتبع التهويل .
ثانيا: المنهج الذي اتبع التهوين.
المنهج الأول صدّر للجميع مفهوما واحدا هو التخويف.
والمنهج الثاني صدّر للناس فكرة التطمين.
والمفهومان لا يلائمان أزمة كورونا.
وإنما المنهج الصحيح هو ذلك الذي يجمع الاثنين، أي المنهج المختلط.
هذا المنهج المختلط يحتاج لصياغة، إلى معرفة ودراسة أنماط الطبقات المستهدفة, أقصد هنا الفئات العمرية.
فالرسالة أو السياسة التي نتبعها مع كبار العمر لا يمكن أن تتشابه مع تلك التي نتبعها مع الشباب أو الأطفال.
لأن على سبيل المثال قد يحتاج كبار العمر إلى منهج التطمين باعتبارهم ليسوا أول الموتى بفيروس كورونا، وإنما كورونا يقتل الصغار والكبار، كبار السن مثلا يحتاجون إلى معنوياتهم في الحفاظ على مناعتهم للمقاومة.
عكس الشباب الذين يحتاجون إلى تخويف أكثر.. وهكذا.
هذا المنهج قد يلائم السياسيين والإعلاميين أكثر من الاقتصاديين، لكن الاقتصادي ملزم بمعرفته حتى يكون على دراية بالكيفية التي يتم بها تفكيك الأزمة للوصول إلى آلية التعامل معها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة