تفشي فيروس كرونا أدى في واقع الأمر إلى انخفاض سعر برميل نفط برنت إلى نحو 54 دولارا وهو أقل سعر له منذ 13 شهرا
شهدت أسواق النفط انقلابا كبيرا بعد تفشي فيروس كورونا في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم وثاني أكبر مستهلك للنفط وأكبر مستورد له، فقد كانت التوقعات حتى نهاية العام الماضي ترجح اتجاه أسعار النفط للارتفاع خلال عام 2020 تحت تأثير التطورات التي شهدتها الأسواق العالمية في ختام عام 2019. وكان أبرز هذه التطورات الاتفاق الجديد لتحالف أوبك+ بزيادة خفض الإنتاج، ثم الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين على اتفاق المرحلة 1 التجاري الذي تم توقيعه يوم 15 يناير.
كلما استطال المدى الزمني وتوسع الانتشار الجغرافي أدى ذلك إلى الضغط على الطلب على النفط، وهو ما يشجع التحركات الأخرى الرامية إلى خفض الإنتاج من قبل جميع أطراف أوبك ولمدة زمنية أطول.
جاء الاتفاق بين أطراف تحالف أوبك+ على تعميق خفض الإنتاج أثناء انعقاد مؤتمر لها في السادس من ديسمبر 2019، حيث تم الاتفاق على خفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا إضافية ليصبح إجمالي الخفض المطروح 1.7 مليون برميل يوميا، هذا علاوة على تعهد من المملكة العربية السعودية بخفض إضافي فوق الحصة المحددة لها بمقدار 400 ألف برميل يوميا، أي أن الخفض الفعلي سيصل إلى نحو 2.1 مليون برميل يوميا. وكان هذا الاتفاق قد تم التوصل له بإجماع آراء أطراف أوبك+. وجاء هذا الاتفاق بعد أن استعانت المملكة العربية السعودية بدولة الإمارات العربية المتحدة لممارسة ضغط ثنائي على روسيا أكبر أطراف التحالف إنتاجا للموافقة على الخفض الإضافي وذلك قبل انعقاد مؤتمر أوبك+. ومن المعروف أن شركات النفط الروسية تعارض خفض إنتاجها بدعوى أنها بذلك تتخلى عن حصتها السوقية مقابل قيام آخرين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، بزيادة حصتهم السوقية. وربما كانت صعوبة الحصول على موافقة روسيا هي التي دفعت نحو التمسك بخطة خفض الإنتاج لمدة ثلاثة أشهر فقط، حيث ينتهي أجل الاتفاق في مارس المقبل، وهي أقصر فترة زمنية على الإطلاق لاتفاق خفض إنتاج. ولكن تم أيضا النص على عقد اجتماع طارئ لأطراف الاتفاق في بداية شهر مارس المقبل لكي يتم النظر في الاتفاق بناء على التطورات التي ستشهدها الأسواق.
وقد أعاد وزير الطاقة السعودي التذكير بالمعيار الذي سيتم الاستناد إليه في مراجعة هذا الاتفاق وهو النزول بمستويات المخزون التجاري من النفط لدى الدول المستهلكة إلى متوسط مستوى هذا المخزن خلال فترة الخمس سنوات 2010-2014. وبات السؤال المطروح هل تكفي هذه التخفيضات للقضاء على فائض المعروض في الأسواق المتوقع خلال عام 2020؟.. البعض يرى أن الاتفاق قد يكون مناسبا شرط ضمان الالتزام الجماعي بالحصص المحددة، ويشيرون على وجه أخص إلى تجاوز كل من العراق ونيجيريا للحصص المحددة لهما خلال اتفاق خفض الإنتاج بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا منذ بداية عام 2019. بينما ترى وكالة الطاقة الدولية التي تضم أغلب البلدان المستهلكة الرئيسية للنفط في العالم أن مخزونات النفط العالمية قد ترتفع بشكل حاد رغم اتفاق أوبك+، إذ تقدر الوكالة ارتفاع مخزونات النفط العالمية بنحو 700 ألف برميل في الربع الأول من العام.
التطور الثاني المهم الذي كان يقدم المزيد من الدعم لخطة أوبك+ هو الاتفاق التجاري المرحلة 1 بين الولايات المتحدة والصين، الذي أدى إلى بعض التفاؤل في ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في العالم، وما يترتب على ذلك بالطبع من ارتفاع الطلب على النفط. وكانت بعض المؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد الدولي قد توقعت في شهر أكتوبر الماضي أن استمرار النزاع التجاري بين واشنطن وبكين سوف يدفع معدلات النمو الاقتصاد العالمي نحو الانخفاض بمقدار 0.8% خلال عام 2020. وكان من المنتظر أن تتعدل هذه التوقعات المتشائمة في ضوء ارتفاع معدلات نمو التجارة العالمية.
نتيجة لهذين التطورين سارعت العديد من بنوك الاستثمار الكبرى بتعديل توقعاتها حول أسعار النفط خلال 2020. وجاءت أعلى التوقعات من قبل بنك أوف أمريكا ميريل لينش الذي قال إن الالتزام الشديد بخفض أكبر لإنتاج أوبك+ علاوة على تطورات اقتصادية إيجابية يأتي على رأسها اتفاق التجارة بين واشنطن وبكين قد يدفع سعر برنت إلى 70 دولارا للبرميل قبل الربع الثاني من العام. ورفع بنك جيه بي مورجان توقعاته لسعر برميل النفط في ضوء التنبؤ بتوازن أكبر بين العرض والطلب، وعدل البنك توقعاته لسعر برنت إلى 64.5 دولار للبرميل في 2020، بعد أن كان قد ذكر في توقع سابق أنها ستكون 59 دولارا فقط.
وكان مما يمكن استنتاجه إذا إنه في حال تم الالتزام الشديد بخطة خفض إنتاج أوبك+، ومع الآثار الإيجابية المنتظرة لاتفاق التجارة الأمريكي الصيني ربما يتأرجح سعر برميل نفط برنت خلال 2020 بين 65-70 دولارا. أي أنه من المتوقع أن يسجل سعر برميل النفط لخام برنت نحو 67 دولارا في المتوسط، ارتفاعا من متوسط بلغ نحو 64 دولارا في عام 2019.
لكن تفشي فيروس كرونا أدى في واقع الأمر إلى انخفاض سعر برميل نفط برنت إلى نحو 54 دولارا وهو أقل سعر له منذ 13 شهرا، وسادت توقعات متشائمة في الأسواق. ويستند هذا التشاؤم إلى تأثر النمو سلبا، لا سيما في الصين، وكذا تأثر الكثير من البلدان المتعاملة معها نتيجة اضطراب سلسلة الإمدادات وبالتالي حركة التجارة الدولية مع ضعف النشاط الاقتصادي الصيني. كما أن العديد من القطاعات المستهلكة الكبيرة للنفط تأثرت بتفشي الفيروس مثل قطاعات السياحة والسفر والنقل الجوي وغيره من وسائل النقل خاصة في مركز تفشي الفيروس. وإزاء هذه التطورات تعددت الاقتراحات أمام الأوبك+ للتعامل مع هذا الوضع الطارئ. وكان من أهم الاستجابات التي طرحت التبكير بموعد اجتماع لجنة المراقبة الوزارية لتعقد يومي 4 و5 فبراير بدلا من شهر مارس، والتفكير كذلك في التبكير بموعد اجتماع المؤتمر الوزاري ليعقد يومي 14 و15 فبراير بدلا من 5 و6 مارس للنظر في التحرك المطلوب. وحتى الآن فالحد الأدنى للتحرك المطروح هو مد أجل اتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية شهر يونيو أو حتى نهاية العام. أما التحركات الأخرى فتشمل خفض إضافي في إنتاج الدول أعضاء تحالف أوبك+ قدره نصف مليون برميل أي الوصول بمقدار خفض الإنتاج إلى 2.2 مليون برميل علاوة على أي خفض آخر من حصص أي من الدول الأعضاء خاصة المملكة السعودية. كما أن هناك اقتراحا آخر طرحه البعض بخفض المملكة العربية السعودية لإنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا بشكل مؤقت. وربما يشكل فرقا في أي تحرك مقترح هو المدى الزمني والجغرافي الذي سيستمر الفيروس فيه في الانتشار ومدى النجاح في مكافحته. فكلما كان المدى الزمني قصيرا والانتشار الجغرافي محدودا دعم ذلك من وجهة نظر البلدان المترددة في تعميق خفض الإنتاج وعلى رأسها روسيا. والعكس صحيح بمعنى أنه كلما استطال المدى الزمني وتوسع الانتشار الجغرافي أدى ذلك إلى الضغط على الطلب على النفط وهو ما يشجع التحركات الأخرى الرامية إلى خفض الإنتاج من قبل جميع أطراف أوبك+ ولمدة زمنية أطول.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة