ذكر صندوق النقد الدولي أنه من المحتمل أن يؤدي تفشي الفيروس إلى انخفاض بمقدار 0.1% من التقدير الذي كان موضوعا لنمو الاقتصاد العالمي
كانت هناك العديد من التوقعات التي ترجح اتجاه أسعار النفط للارتفاع خلال عام 2020 تحت تأثير التطورات التي شهدتها الأسواق العالمية في ختام عام 2019. وكانت أهم هذه التطورات تتمثل في تطورين رئيسيين، أولهما اتفاق تحالف أوبك+ على تعميق خفض الإنتاج، وثانيهما الاتفاق بين الولايات المتحدة والصين على اتفاق المرحلة 1 التجاري الذي يضع حدا للحرب التجارية بين البلدين، وهو الاتفاق الذي تم توقيعه في 15 يناير الماضي.
ذكر صندوق النقد الدولي أنه من المحتمل أن يؤدي تفشي الفيروس إلى انخفاض بمقدار 0.1% من التقدير الذي كان موضوعا لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2020 والبالغ قدره 3.3%، إضافة إلى أنه يتم دراسة سيناريوهات أكثر سوءا
وقد جاء الاتفاق بين أطراف تحالف أوبك+ على تعميق خفض الإنتاج أثناء انعقاد مؤتمر لهم في السادس من ديسمبر 2019، حيث تم الاتفاق على خفض الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميا إضافية ليصبح إجمالي الخفض 1.7 مليون برميل يوميا، واللافت هنا هو السهولة النسبية التي تم بها الاتفاق دون خلافات كبيرة أو مفاوضات شاقة بين أطرافه كما جرت العادة. علاوة على تعهد من المملكة العربية السعودية بخفض إضافي فوق الحصة المحددة لها بمقدار 400 ألف برميل يوميا، أي أن الخفض الفعلي يصل إلى نحو 2.1 مليون برميل يوميا.
وجاء الاتفاق بعد ممارسة بعض الضغوط على روسيا قبيل الاجتماع للموافقة على تعميق الخفض. ومن المعروف أن شركات النفط الروسية تعارض خفض إنتاجها بدعوى أنها بذلك تتخلى عن حصتها السوقية مقابل قيام آخرين، لا سيما شركات الولايات المتحدة بزيادة حصصهم السوقية. وربما كانت صعوبة الحصول على موافقة روسيا هي التي دفعت نحو التمسك بخطة خفض الإنتاج لمدة ثلاثة أشهر فقط، حيث ينتهي أجل الاتفاق في مارس الحالي، وهي أقل فترة زمنية على الإطلاق لاتفاق خفض إنتاج. ولكن مقابل هذه المرونة للحصول على موافقة روسيا تم أيضا الاتفاق على عقد اجتماع طارئ لأطراف أوبك+ في بداية شهر مارس، لكي يتم النظر في الاتفاق بناء على التطورات التي ستشهدها الأسواق.
وفي ضوء ذلك سارعت العديد من بنوك الاستثمار الكبرى برفع توقعاتها لأسعار النفط خلال عام 2020. وجاءت أعلى التوقعات من قبل بنك أوف أمريكا ميريل لينش الذي قال إن الالتزام الشديد بخفض أكبر لإنتاج أوبك+ علاوة على تطورات اقتصادية إيجابية يأتي على رأسها اتفاق التجارة بين واشنطن وبكين قد يدفع سعر برنت إلى 70 دولارا للبرميل قبل الربع الثاني من عام 2020. ورفع بنك جيه بي مورجان توقعاته لسعر النفط في ضوء التنبؤ بتوازن أكبر بين العرض والطلب، وعدل البنك توقعاته لسعر برنت إلى 64.5 دولار للبرميل، بعد أن كان قد ذكر في توقع سابق أنها ستكون 59 دولارا فقط.
لكن في أعقاب تفشي فيروس كورونا انقلبت الأوضاع رأسا على عقب لينخفض سعر برميل النفط من نوع برنت إلى أقل من 50 دولار للبرميل. وقد أتى هذا الانخفاض في سعر النفط بنحو 30% منذ الذروة التي بلغها في الشهر الماضي، نتيجة لما نجم عن الفيروس من انخفاض الطلب في الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط وأكبر مستورد عالمي له، وأيضا في أجزاء أخرى من العالم مع تأثير الفيروس على توقعات النمو الاقتصادي خلال العام الجاري.
فقد ذكر صندوق النقد الدولي أنه من المحتمل أن يؤدي تفشي الفيروس إلى انخفاض بمقدار 0.1%، من التقدير الذي كان موضوعا لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2020 والبالغ قدره 3.3%، إضافة إلى أنه يتم دراسة سيناريوهات أكثر سوءا. وقد حذر اقتصاديو بنك أوف أمريكا عملاءهم من أنهم يتوقعون الآن معدلا لنمو الاقتصاد العالمي يبلغ 2.8% خلال العام الحالي، وهو أضعف معدل منذ عام 2009. أما منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي فترى أن النمو الاقتصادي العالمي سيهبط إلى مستويات لم نشهدها منذ أكثر من عقد مع تأثير تفشي فيروس كورونا على الطلب والعرض، ومع التحديات التي تواجهها البنوك المركزية والحكومات في الاستجابة للتغيرات السريعة في الأوضاع.
وحذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كذلك من احتمال حدوث انكماش اقتصادي عالمي خلال ربع العام الحالي. وقد خفضت المنظمة من تقديراتها للنمو في العام الجاري إلى 2.4% فقط من توقع سابق كان يضع هذا المعدل عند 2.9%، وسوف يكون معدل النمو المتوقع بذلك عند أقل معدل له منذ عام 2009.
وتفترض منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الوباء سيسجل ذروته في الصين خلال الربع الحالي من العام، بينما سيبقى تفشيه في أماكن أخرى من العالم متواضعا وسيتم احتواؤه. وتقول المنظمة إنه إذا ما ثبت أن الفيروس استمر لفترة أطول وانتشر إلى آسيا وأوروبا وأمريكا فسوف يكون الأثر الاقتصادي أشد قسوة. فمعدل النمو العالمي في هذه الحالة حسب توقعها سيكون في حدود 1.5% فقط، مع احتمال أن تشهد بعض الاقتصادات ركودا ومن بينها اليابان ومنطقة اليورو. وهكذا دخلنا في سلسلة من التوقعات المتشائمة حول معدل النمو الاقتصادي خلال العام الجاري وهو ما يؤثر بالطبع على الطلب على النفط، ويعمل على خفض الأسعار.
والأكثر أهمية هو الانخفاض الكبير الفوري الذي حدث في النشاطات المستهلكة أكثر لمنتجات النفط؛ حيث كانت أكثر القطاعات التي أصيبت بأضرار فورية مع تفشي الفيروس قطاعات السياحة والسفر والتجارة الدولية، وهو ما أثر بشدة على انخفاض النشاط في مجال النقل الجوي والبحري بل البري في بعض البلدان كالصين مع تقييد الحركة والانتقال في محاولة لاحتواء الفيروس، وانخفاض حركة الشحن البحري والجوي مع انخفاض التجارة الدولي.
أضف إلى ذلك تقلص قطاع الصناعة التحويلية العالمي في فبراير بأعلى معدل منذ عام 2009، مع ما أدى إليه فيروس كورونا من اضطراب في الطلب، والتجارة وسلاسل العرض. وقد انخفض مؤشر جيه بي مورجان للصناعة التحويلية بمقدار 3.2 نقطة ليبلغ 47.2 نقطة، وهو ما ينهي توسعا للقطاع استمر لثلاثة أشهر. وقد انخفض الإنتاج بأعلى وتيرة له خلال عقدين تقريبا بينما انخفض مقياس الصادرات الجديدة إلى أقل قراءة له منذ عام 2009. وانخفض التوظيف في المصانع للشهر الثالث على التوالي، مع خسارة الوظائف بالمعدل الأسرع منذ عام 2009. وتقلص الإنتاج في 15 بلدا صناعيا كبيرا تتضمن الصين، واليابان، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وتايوان، وكوريا الجنوبية وأستراليا. كما توضح الأرقام ضعفا قياسيا في بيانات الصناعة التحويلية الصينية، وذلك في غمار عملية إغلاق المصانع وتكرر الأمر نفسه، وإن في حدود أقل في كوريا الجنوبية.
لذا لم يكن غريبا انخفاض سعر برميل نفط برنت بنحو 30% عن الذروة التي بلغها خلال شهر يناير الماضي. وإزاء هذا الوضع سارعت لجنة فنية للأوبك+ للتوصية بتعميق خفض الإنتاج بما يتراوح بين 600 ألف برميل ومليون برميل يوميا، وذلك خلال الربع الثاني من العام وحده، حتى يتم استعادة الاستقرار في الأسواق. مع توصية أخرى بتمديد العمل بالخفض السابق الاتفاق عليه والبالغ 1.7 مليون برميل يوميا حتى نهاية العام. وينتظر أن يحسم اجتماع لأطراف أوبك+ يوم الجمعة 6 مارس في فيينا الموقف من هذه التوصيات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة