في تبرير للدفاع عن الحصة السوقية قالت روسيا إن الأسعار كانت ستنخفض على أية حال بسبب انخفاض الطلب مع تفشي فيروس كورونا
تستند الدعوة إلى الدفاع عن حصة في سوق النفط التي تتبناها روسيا إلى إقصاء المنتجين مرتفعي الكلفة؛ إذ تضر الأسعار المنخفضة نسبيا المنتجين الذين يريدون أسعارا لبرميل النفط تزيد على حد معين، حتى يحافظوا على مستوى أرباحهم. ويعني هذا أن أكبر الخاسرين في السوق سيكونون من المنتجين ذوي التكلفة المرتفعة مثل الإنتاج من المياه العميقة في البرازيل، والنفط الرملي الكندي، وبشكل أخص صناعة النفط الصخري الأمريكية، والأخيرة على وجه التحديد هي ما تشير إليه روسيا دائما فيما يخص الدفاع عن حصتها السوقية في مواجهة الإنتاج الأمريكي.
وفي تبرير للدفاع عن الحصة السوقية قالت روسيا إن الأسعار كانت ستنخفض على أية حال بسبب انخفاض الطلب مع تفشي فيروس كورونا، وهذا تبرير ساذج يتضمن نصف الحقيقة فقط، فالأسعار كانت فعلا ستنخفض في حال الموافقة على طلب روسيا بتمديد سقف الإنتاج المعمول به دون تعميقه
وتكمن المشكلة الحقيقية مع النفط الصخري في الولايات المتحدة في أنه مورد كبير، ولكن هناك غموض كبير حول تكلفة إنتاج البرميل من هذا النفط، وإذا ما رجعنا إلى المحاولة الأخيرة في الدفاع عن الحصة السوقية التي لجأت إليها أوبك وروسيا بعد انخفاض الأسعار في النصف الثاني من عام 2014 نجد أن هناك جدالا أشعله السكرتير العام لمنظمة الأوبك آنذاك سالم البدري في مؤتمر صحفي في 29 أكتوبر 2014، حيث ذكر أنه "لو بقيت الأسعار عند 85 دولارا للبرميل فالعديد من المشروعات والكثير من النفط المنتج الآن سيكون خارج السوق". وقد أشار إلى أن نحو نصف النفط الصخري سوف يكون خارج السوق عند سعر 85 دولارا للبرميل. وهذا السعر كما علق البعض وقتها كان في الحقيقة هو نقطة النهاية الأعلى في نطاق التكلفة؛ إذ ذكرت وكالة الطاقة الدولية في تقرير لها آنذاك أن نحو 4% فقط من إنتاج النفط الصخري الأمريكي يحقق تعادلا بين تكلفة إنتاجه والأسعار عند مستوى سعري أعلى من 80 دولارا للبرميل. وكان البعض يرى أن مستوى 50 إلى 60 دولارا للبرميل ليس كافيا لنمو هذه الصناعة، وأن مستوى سعر يبلغ 100 دولار فأكثر يؤدي إلى نمو مفرط. ولهذا فالمستوى المناسب من وجهة نظره هو عودة أسعار النفط لمستوى 75 دولارا إلى 80 دولارا. وقريب من هذا المستوى ما صرح به وزير النفط الروسي حينها، بأن تكلفة إنتاج النفط الصخري تبلغ ما بين 50-65 دولارا للبرميل في المتوسط، وهو ما يترك العديد من المنتجين للنفط الصخري في الولايات المتحدة بأرباح محدودة أو بدون أية أرباح على الإطلاق.
وتؤكد بعض المصادر أن النفط الصخري شق طريقه إلى وسط منحنى للتكلفة يتراوح ما بين الثلاثين والسبعين دولارا، ولكن كلفة الإنتاج ما زالت تتجه نحو الأسفل. ففي تكوين باكن في ولاية داكوتا الشمالية هبطت التكلفة إلى نطاق العشرين دولارا في بعض المقاطعات؛ حيث أشار البعض إلى أن إنتاج برميل النفط في عام 2015 لا يزال مربحا عند 24 دولارا في مقاطعة دان، حيث هبط من 29 دولارا في أكتوبر 2014.
ولكن أيا كان الأمر فهناك نقطة لا ينتبه إليها أصحاب مقولة إقصاء منتجي النفط الصخري؛ إذ إنهم يبحثون عن التكلفة المتوسطة، ولكن ما سيحدد الدور الذي يلعبه النفط الصخري كموازن للسوق هو التكلفة الحدية؛ إذ هناك تفاوت واسع في تكلفة الحقول المختلفة، وهو أمر قائم أيضا في صناعة النفط التقليدية؛ إذ ذكرت وكالة رويترز في عام 2015 أن تكلفة إنتاج البرميل الكلية تبلغ في المتوسط 4-6 دولارات في السعودية والعراق، ونحو 7 دولارات في الإمارات العربية المتحدة، وتصل إلى نحو 40 دولارا للبرميل من الحقول البحرية في أنجولا، بينما تبلغ نحو 50 دولارا في حقول بحر الشمال بالمملكة المتحدة.
والفكرة الرئيسية هنا فيما يتعلق بالنفط الصخري أنه يبدو أن مدى التفاوت في التكلفة كبير، ولكن في كل الأحوال فلن يدخل في مرحلة الإنتاج سوى الحقول التي يمكنها تحقيق ربحية للمنتجين، وبالتالي فكلما ارتفعت الأسعار في الأسواق كلما دخل عدد أكبر من الحقول في حيز الإنتاج، ومن هنا يلعب النفط الصخري دورا في لجم اتجاه أسعار النفط لأعلى، كما أنه كلما هبطت الأسعار خرجت من حيز الإنتاج عدد من الحقول مما يضع أيضا قاعا لأي انخفاض للأسعار. وهنا يصبح المنتج مثل مالك الأراضي تماما؛ حيث إن الأراضي الأكثر خصوبة هي التي تحقق أرباحا مرتفعة في البداية، وحينما تشتد الحاجة لمزيد من الإنتاج الزراعي مع ارتفاع أسعار المحاصيل تدخل إلى حيز الإنتاج الأراضي الأقل جودة فالأقل جودة، وهكذا يحقق ملاك الأراضي الأكثر خصوبة ريعا كمكافأة على خصوبة أراضيهم.
ونشير هنا إلى أن العديد من الاختراقات التكنولوجية قد عملت على خفض تكلفة إنتاج النفط الصخري، أضف إلى ذلك انخفاض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة مؤخرا إلى الصفر، وهو ما يمكن شركات النفط الصخري من الحصول على تمويل منخفض الكلفة، وكل ذلك يساعد على وجود عدد كبير من الحقول قيد الإنتاج، أضف إلى ذلك أنه بمجرد ارتفاع الأسعار من جديد سيعود منتجو النفط الصخري للعمل مرة أخرى بسرعة، وهو ما يعني أن الحصة السوقية التي يتم الدفاع عنها قد يتم فقدها بسهولة، إلا إذا قبل المنتجون بأسعار منخفضة جدا للنفط لمدة طويلة جدا من الزمن.
وتكمن أهم المزايا المتعلقة بالنفط الصخري مقارنة بالنفط التقليدي في المرونة؛ إذ إنه بمجرد انخفاض أسعار النفط عن التكلفة الجارية فإن الإنتاج من النفط الصخري يمكن أن يتم تعليقه بسرعة، ثم يتم استئنافه مجددا بسرعة حينما تتخطى الأسعار عتبة محددة (أو على الأقل حينما يرى المنتجون أن الأسعار المستقبلية مبشرة). وهذا التوسع السريع في الإنتاج يعمل نظريا على وضع سقف ناعم على أسعار النفط ويساعد على ضمان أن الأسعار لن تشتط مرة أخرى، طالما أن التقلبات في الطلب تدريجية ولا تتجاوز حجم الاحتياطيات الصخرية المستعدة للتحول بسرعة نحو الإنتاج.
وفي تبرير للدفاع عن الحصة السوقية قالت روسيا إن الأسعار كانت ستنخفض على أية حال بسبب انخفاض الطلب مع تفشي فيروس كورونا، وهذا تبرير ساذج يتضمن نصف الحقيقة فقط، فالأسعار كانت فعلا ستنخفض في حال الموافقة على طلب روسيا بتمديد سقف الإنتاج المعمول به دون تعميقه، ولكن مع تعميق خفض الإنتاج بمقدار 1.5 مليون برميل يوميا كما كانت تطالب الأوبك فقد كان من المستحيل انهيار الأسعار إلى المستوى الذي وصلت إليه، حيث بلغ سعر برميل برنت نحو 26 دولارا للبرميل يوم الأربعاء الماضي، وهو أقل سعر له في نحو 17 عاما. وحتى في مجال دفاع الجميع عن حصصهم السوقية -وهو ما أطلقه الموقف الروسي- نرى أن روسيا لن تستفيد أي استفادة يعتد بها؛ إذ إن تكلفة الإنتاج فيها مرتفعة قطعا عن العديد من المنتجين خاصة المنتجين في منطقة الخليج العربي، والأمر الآخر أن فائض الطاقة الإنتاجية الحالي لدى روسيا ضئيل نسبيا؛ حيث يصل في أفضل الأحوال إلى 500 ألف برميل يوميا، مقارنة بما يزيد على 2 مليون برميل لدى المملكة العربية السعودية، وكمية تزيد على نصف مليون برميل يوميا لدى الإمارات.
المنطق الروسي إذا في تبرير الدفاع عن الحصة السوقية منطق متهافت، وترتب عليه تحقيق خسارة كبيرة في العائدات بدأت موسكو ذاتها تتحسب منها، بقول وزير المالية إنه سيكون هناك فجوة في الميزانية مقدارها 39 مليار دولار في العام الجاري بسبب انخفاض أسعار النفط والغاز، كما قال المتحدث باسم الكرملين إن موسكو ترغب في أسعار أعلى للنفط.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة