كشف وباء كورونا عن اختلافات كبيرة بين بلدان الاتحاد الأوروبي في مجال الرعاية الصحية، وليست هناك سياسة جماعية توحد هذه القوانين.
1- لا أعتقد أن وباء كورونا سيكون المسؤول الأول عن زعزعة الاتحاد الأوروبي، فالبريكست سبق ظهور هذا الوباء، لأنه يتعلق بالاستقلالية والهوية.
وهناك إحساس لدى بعض الدول بأنها فقدت هويتها في خضم هذا الاتحاد.
ولعل إنجلترا أول من شعرت بهذا الخطر قبل غيرها. وفي هذا السياق، لم يعمل وباء كورونا إلا على الكشف عن الخلل في عقل الاتحاد الأوروبي وليس قلبه، فلم يتحرك كجسد واحد إزاء هذه الأزمة بل اختلفت ردود أفعال هذه البلدان حسب مصالحها الوطنية، دون التفكير بعقلية جماعية، وهنا مكمن الخلل.
صُدم الاتحاد الأوروبي بوباء كورونا، واكتشفت دوله أن الاستعدادات غير كافية للمواجهة، لعدم وجود سياسة مرنة في هذا الاتجاه، باستثناء الحديث عن مشاريع وخطط لدعم اقتصادات البلدان الضعيفة بينها.
2- كشف وباء كورونا عن اختلافات كبيرة بين بلدان الاتحاد الأوروبي في مجال الرعاية الصحية، وليست هناك سياسة جماعية توحد هذه القوانين فيما بينهما باعتبارها كتلة واحدة، رغم توصيات المفوضية الأوروبية في هذا الصدد.
وذلك لا يعني عدم وجود روح تضامنية بين بلدان الاتحاد الأوروبي إزاء قضايا الطوارئ مثل الكوارث أو الإرهاب، وكان التنسيق بين دول الاتحاد متعثراً في ميادين عديدة إذ لم تتمكن 27 دولة من أن تكافح وباء كورونا بعقلية جماعية وآليات موحدة.
3- صُدم الاتحاد الأوروبي بوباء كورونا، واكتشفت دوله أن الاستعدادات غير كافية للمواجهة، لعدم وجود سياسة مرنة في هذا الاتجاه، باستثناء الحديث عن مشاريع وخطط لدعم اقتصادات البلدان الضعيفة بينها.
كان من المفترض أن تُبنى أسس متينة وتُرصد ميزانيات كافية لمواجهة الكوارث، ومنها وباء كورونا. لذلك ظلت الإجراءات والقرارات بطيئة حتى "سندات كورونا"، كحل تمويلي، رفضته إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، مما يدلل على هشاشة الاقتصاد الأوروبي في التعاطي مع الأزمات.
4- إن تسجيل 75% من وفيات العالم في بلدان الاتحاد الأوروبي يثير أكثر من تساؤل، خاصة في الرأي العام الشعبي ما يضعه على منعطف خطير، ويوسع الهوة بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب، ويشكل تهديداً واضحاً لمنطقة الشنغن باعتبارها أزمة إنسانية أكثر مما هي أزمة أوروبية. فقد دقّ وباء كورونا ناقوس الخطر من أجل إعادة النظر في القوانين التي سنّها الاتحاد الأوروبي وأثبت عدم نجاعتها وافتقارها إلى المرونة في اتخاذ القرارات.
5- يرى الفيلسوف الألماني الشهير هابرماس أن الأزمة الحادة تتعلق بفكرة التضامن والثقة والشرعية، داعياً إلى "تغيير العقليات"، وطرح مفهوم "مواطن العالم" في مجتمع ـــ كوزموبوليتي ـــ أي كوني، عابر للقوميات، وجعل أوروبا أكثر ترابطاً. ونبه إلى تجربة الصين في إدارة الأزمة الإنسانية ومواجهة الوباء أو حتى الحرب البيولوجية بعقلية ينبغي الاستفادة منها واستخلاص الدروس منها لأنها طرحت نموذجاً للعمل الاجتماعي، والمدني والحكومي الموحد، من أجل تفادي النتائج الوخيمة على البشرية في المستقبل.
إن النقد الموجه للاتحاد الأوروبي يكمن في تبني كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي سياسة منفردة لتطويق انتشار وباء كورونا دون اتخاذ تدابير وإجراءات جماعية.
6- هل سينجو الاتحاد الأوروبي من وباء كورونا دون خسائر؟ تكمن الخطورة في فقدان المواطنين العاديين الثقة بهذا الاتحاد، وذلك يؤدي إلى تداعيات خطيرة على حياة الأوروبيين. منذ تأسيسه في الخمسينيات من القرن الماضي، كان المشروع الأوروبي، بحكم تعريفه، يعني تجاوز المفهوم الوطني من خلال التنازل التدريجي عن السيادة الوطنية لكل دولة، إلا أن هذا الوباء زاد من الشكوك في هذا الانصهار، وعادت القومية -في شكل قرارات أحاديةـــ إلى الواجهة.
فقد غضبت ألمانيا من النمسا وسويسرا بإيقاف شحنات الكمامات إلى جيرانها من خلال قيود التصدير القانونية الصلبة في مجال المعدات الطبية. تشعر إيطاليا بالإحباط لأنها استنجدت بآلية الاتحاد الأوروبي لتقاسم الإمدادات الطبية، إلا أنها فشلت في ذلك.
ومن المفارقات أن الصين هي التي أرسلت هذه المعدات. وقد تم إغلاق الحدود الوطنية داخل منطقة شنغن، حيث أقدمت كل من بولندا وجمهورية التشيك والدنمارك على إغلاق حدودها، وتبعتها ألمانيا أيضاً في إغلاق حدودها مع فرنسا والنمسا ولوكسمبورج وسويسرا ـــ الأخيرة لا تنتمي إلى شنغن ــ ما أصاب الحركة بين بلدان الاتحاد الأوروبي بالشلل، وأدى إلى إلغاء المعارض التجارية وغيرها.
7- من المعروف أن جوهر الاتحاد الأوروبي يكمن في حرية "السوق الموحدة" للسلع والخدمات والعمالة ورأس المال. لكنها مع ظهور هذه الأزمة فشلت في ذلك. ومثال على ذلك، التعامل مع قضية المهاجرين. وبدلاً من إيجاد سياسة موحدة إزاء هذه القضية، أغلقت حدودها من المجر إلى النمسا، رافضة فيما بعد إصلاح قوانين اللجوء إلى أوروبا، ولم تظهر القوانين الجديدة.
وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: "كيف يعمل الاتحاد الأوروبي على التقريب النفسي والاجتماعي بين مواطنيه وجعلهم أكثر اتحاداً وأكثر صلابة في سياق العلاقات الجيوسياسية مع الصين وروسيا والولايات المتحدة؟"، هنا يبرز التحدي الأوروبي في قضايا راهنة متعددة مثل الهجرة والسياسة الخارجية والدفاع.
والأسوأ من كل ذلك أن هذا الإخفاق سوف يؤدي إلى ظهور حملة العداء السياسي لهذا الاتحاد من الشعبويين والقوميين والمتشككين من إيطاليا إلى المجر وحتى ألمانيا، وتشجعهم التعبئة الشعبية على خوض غمار الانتخابات، وتقويض أسس هذا الاتحاد، والتاريخ يمنحنا أمثلة نموذجية مثل التفكك الذي أصاب عصبة الأمم على سبيل المثال وليس الحصر.
8- هل يستطيع الاتحاد الأوروبي النجاة من وباء كورونا دون تفكك أسس بنيانه المادي والفكري؟ سؤال لا يزال يدور في أذهان السياسيين والمفكرين والكُتاب الذين ينتظرون نتائج وباء الكورونا وتداعياته المنظورة وغير المنظورة.
وهذا يتطلب فترة زمنية لرؤية تأثيراته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتفاعلها مع الواقع الملموس في هذه البلدان، ولعل أبرزها ازدياد أعداد العاطلين، وهي المعضلة الجوهرية التي تواجه الاتحاد الأوروبي حالياً ومستقبلاً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة