احتواء فيروس كورونا.. 3 تجارب ناجحة من جيران الصين
بينما تدق الموجة الثانية من وباء فيروس كورونا المستجد أبواب العديد من الدول، كانت هناك تجارب 3 دول مجاورة للصين في احتواء الفيروس.
ويبدو من المهم استخلاص بعض الدروس من الموجة الأولى لجائحة "كوفيد-19"، على أمل في أن تسهم إلى حد كبير في تقليل خسائر الموجة الثانية.
ويعول الخبراء الكثير من الآمال على أن يكون الأداء بشكل عام في مختلف الدول خلال الموجة الثانية أفضل من الأولى، لكن هذا لا يقلل من أهمية التذكير ببعض التجارب الناجحة التي يمكن الاسترشاد بها، لكي تمر الأزمة بأقل الخسائر، لاسيما إذا كانت هذه التجارب من دول تحمل بيئة مثالية لانتشار الفيروس من حيث عدد سكانها الكبير وقربها من الصين.
التجربة الأولى: الجمود الطوعي باليابان
أعلنت اليابان حالة الطوارئ في 7 أبريل، ومع ذلك، فإنه بموجب القانون الياباني، لا يمكن تنفيذ أو فرض الإغلاق الإلزامي، ولذلك اعتمدت الحكومة اليابانية على تعاون المواطنين في السيطرة على الوباء.
وأظهرت دراسة نشرت في دورية (ساينتفيك ريبورتيز) أن "الجمود الطوعي" الذي قام به المواطنون عن طريق الحد من حركتهم واتصالهم، قد ساعد في خنق انتشار العدوى.
وفحص الباحثون في الدراسة التي أجراها معهد جامعة طوكيو للعلوم الصناعية بيانات الموقع لأكثر من 200 ألف مستخدم للهواتف المحمولة، وباستخدام هذه البيانات، قام الباحثون بحساب حركة الإنسان في العاصمة طوكيو قبل وأثناء حالة الطوارئ.
ويقول تاكاهيرو يابي، الباحث الرئيسي بالدراسة في تقرير نشره الموقع الالكتروني لجامعة طوكيو في 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري: "وجدنا أنه بعد أسبوع واحد من حالة الطوارئ انخفض التنقل البشري بنسبة 50٪، مما أدى إلى انخفاض بنسبة 70٪ في الاتصالات الاجتماعية، وقلة الاتصال يتم ترجمته إلى انتشار المرض بشكل أقل".
وامتدت البيانات التي فحصتها الدراسة من يناير إلى أبريل، وبإلقاء نظرة على محطات القطار الرئيسية وسط طوكيو، بما في ذلك محطة (شينجوكو)، الأكثر ازدحاما في العالم، وجد الباحثون أن 14 أبريل في طوكيو شهدت زيارات أقل بنسبة 76٪ إلى 87٪ مقارنة بشهر يناير قبل الأزمة.
وحلل الباحثون أيضًا مقدار ومسافة السفر في طوكيو الكبرى، حيث أظهر كلاهما انخفاضًا بنسبة 50٪ تقريبًا، وبمعنى آخر انتقل الناس أقل وبقوا بالقرب من المنزل.
ويمكن أيضًا حساب الاتصال الاجتماعي بناء على القرب المكاني للأشخاص، وهذا أيضا تم تخفيضه بشكل كبير إلى مستوى 80٪ الذي استهدفته الحكومة، وتتوافق اتجاهات الانخفاض بشكل عام مع الطلبات الحكومية للناس للقيام بالعمل عن بعد، وإغلاق المدارس.
وتناولت الدراسة البيانات الاجتماعية والاقتصادية، وأظهرت أن أصحاب الدخل المرتفع كانوا أكثر قدرة على الحد من التواصل الاجتماعي، وبالتالي تقليل فرصة انتقال (كوفيد–19).
وأخيرا، وضعت الدراسة بيانات التنقل مقابل رقم التكاثر الفعال المقدر، وهو إحصاء رئيسي يقدر عدد الحالات التي يمكن أن تسببها عدوى واحدة، وأثبت هذا صحة كيف كان من المحتمل أيضا أن يقلل الاتصال المنخفض من العدوى.
ويوضح مؤلف الدراسة المشارك يوشيهيد سيكيموتو أنه "مع التدخل غير الإجباري وغير العلاجي، كان على طوكيو الاعتماد على تعاون المواطنين، وتظهر دراستنا أنهم تعاونوا من خلال الحد من حركتهم واتصالهم ، وبالتالي الحد من العدوى".
ويضيف "تقدم هذه النتائج رؤى يمكن لصانعي السياسات تطبيقها عند تقدير القيود الضرورية على الحركة".
التجربة الثانية: فيتنام وهونج كونج
وبينما ينظر البعض لإجراء ارتداء الكمامة بكثير من الاستهتار، فإن الخبراء يرون أن حرص دولتي فيتنام وهونج كونج على هذا الإجراء ساعدهما كثيرا في السيطرة على الوباء رغم قربهما من الصين.
ودعت السلطات في هونج كونج مواطنيها مبكرا لارتداء الكمامة في الأماكن العامة، ووجدت تجاوبا رغم وجود قانون يجرم ارتداءها.
وصدر القانون قبل تفشي الوباء لأغراض سياسية، بغية منع ارتداء أغطية الوجه في المظاهرات، ولكن مع الوباء أصبحت هناك حاجة لهذا الإجراء.
وفي فيتنام، يواجه الأشخاص الذين يتم ضبطهم وهم لا يرتدون الكمامة في الأماكن العامة عقوبة الغرامة.
وقال نجوين تيان نهان، رئيس لجنة الحزب الشيوعي في مدينة هو تشي مينه، أحد أكبر المدن إن: "ارتداء الكمامة هو إجراء بسيط للغاية ولكنه فعال للوقاية من كوفيد19، لذا فإن الأشخاص الذين لا يفعلون ذلك يواجهون خطر الإصابة بالعدوى، وهو أمر يشكل أيضا مخاطر على الجمهور".
وكان د. أشرف الفقي، الباحث السابق بهيئة سلامة الدواء الأمريكية، قد اعتبر ارتداء الكمامة من أهم الإجراءات للسيطرة على الموجة الثانية من الوباء في العالم العربي.
وتعجب الفقي في حوار مع بوابة "العين الإخبارية" من الاستهانة بهذا الإجراء، بالرغم من بساطته، وقال إنه أحد الأسلحة الرئيسية التي واجهت بها فيتنام وهونج كونج القريبتين من الصين فيروس كورونا، ونجحتا نجاحا منقطع النظير بفضل التزامهما بالكمامة، وهو نجاح يدرس بمنظمة الصحة العالمية.
وأضاف: " بالمقارنة، ففي الولايات المتحدة مثلا، هناك ولايات أقرتها في البداية وأخرى رفضتها، ويمكن معرفة أهمية الكمامة بالمقارنة بين الولايات التي أقرتها وتلك التي رفضتها من خلال أعداد الإصابات".
التجربة الثالثة: الاستعداد المبكر في كوريا الجنوبية
وبحكم الخبرة الكورية الجنوبية السابقة في التعامل مع متلازمة الشرق الأوسط التنفسية عام 2015، كانت أنظمتها الصحية جاهزة للتعامل المبكر مع الأزمة، وأجرت فحوصا مخبرية لأكثر من 450 ألف شخص، ولم يتعد عدد الإصابات المسجلة يوميا في شهر يوليو 53 حالة.
وفي تصريحات نقلتها شبكة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، قالت براندون بي سوه، الرئيسة التنفيذية لشركة "لونيت" التي توفر أدوات الذكاء الاصطناعي لمقدمي الرعاية الصحية، إن انخفاض تكاليف الخدمات الطبية بفضل نظام التأمين الصحي الوطني الشامل، مهد الطريق لإجراء فحوص مخبرية وتصوير بالأشعة المقطعية لعدد كبير من المواطنين في المرافق الصحية التابعة لنظام التأمين الصحي الوطني، وهو ما ساعد الفرق الطبية في تشخيص المصابين بفيروس كورونا المستجد مبكرا وتوفير العلاج المناسب لهم دون إبطاء.