التداعيات الخطيرة لهذا الفيروس الجديد على الصين تتجاوز بكثير الخسائر البشرية
تواصل الصين جهودها الجبارة لمكافحة تفشي "فيروس كورونا الجديد"، الذي نجح حتى كتابة هذه السطور في حصد أرواح أكثر من 300 شخص مع إصابات مؤكدة تجاوزت حاجز 14 ألفاً، وهو رقم يتزايد باستمرار، فيما تمكن الفيروس من اجتياز حدود نحو 30 دولة أخرى حول العالم سجلت إصابات بالفيروس فيها، مع تزايد حالة الذعر حول العالم من انتقال الوباء لها.
إن التداعيات الخطيرة التي سببها، ويسببها، فيروس كورونا الجديد على الصين والعالم، وتلك التي عانت منها البشرية بسبب الأوبئة الفتاكة الأخرى السابقة كـ"سارس" و"إيبولا" وغيرهما من الأوبئة الفيروسية، هي مجرد تذكير للعالم من جديد بخطورة هذه الأوبئة، وأهمية تكاتف الجهود العالمية لتسخير الثورة العلمية والمعرفية والتكنولوجية لمواجهة مثل هذه الفيروسات مستقبلاً
التداعيات الخطيرة لهذا الفيروس الجديد على الصين تتجاوز بكثير الخسائر البشرية، فهذه الدولة الكبرى التي تعدّ أكبر مصدر للسلع في العالم وثاني أكبر اقتصاد في العالم، أصبحت تعاني ما يشبه العزلة الدولية، بعد قيام كثير من دول العالم بإغلاق حدودها أمام الصينيين، ووقف الرحلات الجوية من المدن الصينية وإليها، بل والقيام بعمليات إجلاء لرعاياها من الأراضي الصينية، خشية تعرضهم للإصابة بهذا الفيروس الذي تتواصل الجهود العالمية للكشف عن علاجات وأدوية فعالة لمواجهته والحد من انتشاره.
وفي داخل الصين، تبدو الحكومة كما لو أنها تخوض حرباً مصيرية في مواجهة الفيروس، الذي أعلن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أن بلاده قادرة على الانتصار عليه، حيث اتخذت السلطات الصينية إجراءات غير مسبوقة في مواجهة هذا الوباء، من بينها عزل مدينة "ووهان" التي نشأ الفيروس فيها عن العالم الخارجي تماماً، وإلغاء الاحتفالات العامة ودور السينما والمزارات السياحية ومراكز التجمعات البشرية في المدن المصابة، كما أعلنت بناء عدة مستشفيات كبرى لعلاج المصابين في فترة قصيرة لا تتجاوز عشرة ايام، وافتتحت إحداها بالفعل في مدينة ووهان، في إنجاز ضخم، يؤكد قدرة الصين وإصرارها على مواجهة تفشي الفيروس، كما خصصت السلطات المركزية والإقليمية ما قيمته 12.6 مليار دولار للإنفاق على العلاجات والمعدات الطبية، فيما أعلن المصرف المركزي الصيني أنه سيضخّ أكثر من 170 مليار دولار في الاقتصاد لدعم جهود مكافحة الفيروس المستجد.
هذه الجهود الضخمة التي بذلتها، وتبذلها الصين، لم تخف حجم الضرر الكبير الذي لحق بالفعل، أو يتوقع أن يلحق، بالاقتصاد الصيني، لا سيما إذا استمر الفيروس لبعض الوقت، فوفقا لبعض التقديرات الاقتصادية المحلية، فإن نمو الاقتصاد الصيني قد يهبط بنسبة نقطتين مئويتين خلال الربع الجاري من العام الحالي، وهو ما يعني خسائر بالنمو تصل قيمتها إلى 62 مليار دولار، هذا في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد بالفعل من التباطؤ، وهذا الأمر لن ينعكس سلبياً على الصين وحدها، وإنما على الاقتصاد العالمي برمته، بالنظر إلى ما تمثله الصين من قوة اقتصادية. وما شهدته أسواق المال العالمية الكبرى من تراجعات ملحوظة، فضلاً عن انخفاض أسعار النفط وتزايد حالة القلق بشأن الاقتصاد العالمي جراء تفشي هذا الفيروس، ليس سوى مؤشرات على حجم الضرر الذي سببه الفيروس، والذي قد يكون أكبر إذا استمر انتشار الفيروس لأسابيع أخرى.
إن التداعيات الخطيرة التي سببها، ويسببها، فيروس كورونا الجديد على الصين والعالم، وتلك التي عانت منها البشرية بسبب الأوبئة الفتاكة الأخرى السابقة كـ"سارس" و"إيبولا" وغيرهما من الأوبئة الفيروسية، هي مجرد تذكير للعالم من جديد بخطورة هذه الأوبئة، وأهمية تكاتف الجهود العالمية لتسخير الثورة العلمية والمعرفية والتكنولوجية لمواجهة مثل هذه الفيروسات مستقبلاً، لا سيما أن العالم اليوم أصبح أكثر ترابطاً واتصالاً مع ما يعنيه ذلك من سهولة انتشار هذه الأوبئة عبر الحدود.
كما أنها تذكر العالم بخطورة ما يجري حالياً من تطوير للأسلحة البيولوجية باستخدام الثورة الجينية، وهي الأسلحة التي قد تكون أشد فتكا في المستقبل من الأسلحة النووية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة