الآثار السياسية لجائحة كورونا بدأت تلوح في الأفق.
فمع التوقعات المنتشرة اليوم حول نهاية محتملة للجائحة بحلول صيف هذا العام، فإن السباق السياسي الدولي ينطلق قبل موعده، في إشارة إلى أن الجميع يستعد لإعلان انتهاء الجائحة لكي يتخذ موقعه وفقا للآثار التي تركتها على المواقع السياسية، وهذه الفكرة مرتبطة بشكل دقيق بالقوى الدولية والمؤثرة على السياقات السياسية، ومن أهمها اليوم الصين، التي أطلقت فكرتها الاقتصادية الاستراتيجية "الحزام والطريق"، وهو مشروع تغلب عليه اللغة الاقتصادية والتنموية.
ولكي تصل الصين بهذا الحزام إلى غايته، فإن الكثير من المتطلبات السياسية يجب أن تحدث، ومهما كان هذا المشروع الصيني وأهدافه بالنسبة للصين أو الدول التي سيشملها، فعندما بدأت الصين في تجربة القياسات الاقتصادية والسياسية لكي تنفذ هذا المشروع، ظهر أن أمريكا، المنافس الرئيس للصين في قيادة العالم، تشكو من كمية العواطف والود الذي تظهره الدول تجاه الصين وحزامها.
الصين بهذا "الحزام" من الطبيعي أنها ستترك آثارها السياسية على كل بقعة جغرافية تمر بها، وهي تدرك التنافس القوي الذي تمر به، لذلك هي تسعى إلى تحالفات "الحزام الطريق"، وهي الفكرة السياسية المساندة لمشروعها العالمي، الذي أصبح يدفع الكتاب والمحللين والمفكرين إلى طرح فرضية الخيارات الصعبة بين "فضاء أمريكا وحزام الصين"، وأصبحت الدول تفكر بطريقة مختلفة، لأنها وجدت نفسها أمام خيارات استراتيجية أمام الحزام الصيني.
هذا التنافس بين "الفضاء والحزام" دعم مشاعر الدول القريبة من دائرة التنافس العالمي، وهي الدول ذات التأثيرات السياسية والاقتصادية، بأنها أصبحت هي الأخرى لاعبا رئيسا في تحديد الاتجاهات العالمية مستقبلا، وعلى رأسها بالتأكيد دول الخليج العربي.
اليوم تتشكَّل منطقة الصراع الدولي حول ملامح النظام العالمي الجديد بمنهجية أكثر وضوحا، ووجدت بعض الدول نفسها وهي ذاهبة إلى الفكرة السياسية الصارمة لتحديد مكانتها وموقعها في وسط الحزام الصيني أو خارجه، الإجابة عن هذه الأسئلة معقدة حتى على الصين وأمريكا، حيث إن معايير النظام العالمي، التي تتشكل بطريقة هادئة وبطيئة، تتطلب من الدول التأني وعدم التعجُّل في تحديد الاتجاهات الاستراتيجية لها.
قياسات الحزام الصيني دقيقة في بعض مناطق العالم، ولكنها أقل من ذلك في مناطق أخرى من العالم، ويبدو أن العالم سيعيش مرحلة مثيرة، خاصة بعد عودته إلى طبيعته عند إعلان نهاية كورونا، فقد أسهمت مرحلة "كوفيد-19" في تهيئة الأجواء وتغيير الكثير من ملامح السياسات الدولية ورسمت بشكل دقيق معايير تنموية مختلفة دفعت بالدول نحو القلق من تكرار هذه الأزمات، ما يتطلب تفعيل الاعتمادية الذاتية، خاصة في الإنتاج التنموي الأساسي من الصحة والغذاء والعلاج.
العالم، وبشكل سياسي، يعيش مرحلة الحيرة في تحديد انطلاقته، لذلك سوف يشهد ظهور قوى ذات تأثير اقتصادي من مناطق كثيرة في العالم ستكون لاعبا رئيسا في تحديد وجهة العالم، خاصة تلك القوى التي تمتلك الطاقة والأنظمة الاقتصادية القوية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة