أكثر من عشر سنوات والقضية السورية تقبع في ركودها كمعادلة مستحيلة الحلّ رغم كثرة المبادرات الإقليمية والدولية والأممية.
ولكنّ الحقيقة تكمن في أنّ المعادلة تتكون من ثلاث ركائز رئيسة لا يمكنُ تجاهل أيٍّ منها كما يحدث عادةً عند كلِّ طرحٍ لحلحلة الأزمة السورية، وهذا ما يثبته تقاطع التصريحات العربية والأممية منذُ أيام عدة، من خلال تزامن حديث المبعوث الأممي إلى سوريا، "غير بيدرسون"، عن تفاهمات روسيّة أمريكيّة وغربيّة على "صيغةٍ جديّةٍ وجديدةٍ" قائمة على مبدأ "خطوة بخطوة" من أجل التوصل إلى تطبيق القرار الدولي 2254، مع حديث أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، عند سؤاله عن عودة سوريا إلى الجامعة، مؤكّداً أنّه "لا مصلحة للدول العربية ببقاء إحدى شقيقاتها خارج المنظومة العربية، إلا أنّ الأمر مرهونٌ بحلحلة كثير من القضايا العالقة أو السير على طريق حلحلتها -على أقل تقدير- بما يتوافق وتطلعات الشعب السوري بوحدته وتكامله، وبما يتوافق والسياسة العربية عموماً، والمتسقة والمنسجمة مع السياسة الدولية القائمة على مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة والقانون الدولي الناظم لعلاقات المجتمع الدولي وتطبيق القرار الأممي 2254".
وعليه، ومن خلال هذه التقاطعات، تتبلور الحقيقة، التي لا بدّ من أنْ ترى النور، والتي تؤكّد أنّ الصدام العسكريّ انتهى، وحلوله باتت طيّ النسيان لكل الأطراف الفاعلة على الأرض السورية، ولم يتمكن أحدٌ من فرض قوّة أمر واقع تُحكِمُ قبضتها على البلاد لصالحِ قوّةٍ من القوى المتصارعة، سواء المحلية أو الدوليّة، وأنّ المشهد الأخير لا يمكن لطرفٍ أنْ يرسمه بمعزلٍ عن الأطراف الأخرى محلياً وإقليمياً ودوليّاً، لتكون هذه الحقيقة واضحة المعالم بزوايا ثلاث:
الزاوية الأولى: تنبثق من الداخل السوري حكومةً ومعارضةً، وتتمثل في إنهاء المماطلة والمماحكة، التي لا طائل منها، والتوصل إلى منطقة وسط العصا، بما يضمن التوازن وتجنّب فكر الإقصاء، الذي لن يقود إلّا إلى المزيد من التعقيد والهدر والاستنزاف للبلاد أرضاً ومقدّراتٍ وشعباً، وأنّ هذا التوازن يتوجب عليه أنْ يكونَ مدعوماً ومؤسّساً على فقهٍ سياسيٍّ واقعيٍّ يتماشى مع المشروع العربي ووحدة صفه، وينسجم به ومعه في الميادين السياسية الدولية، المتمثلة في المجتمع الدولي وتحت مظلة القوانين الأممية الناظمة والضامنة لسير تصحيح مسار الحلّ.
الزاوية الثانية: تنطلق من المنظومة العربية وممثلتها الجامعة العربية، لأنّ أيّ حلٍّ خارج إطار المرجعيات العربية المتأصلة أساساً في نفوس السوريين وفكرهم وسياستهم كأفراد ومواطنين قبل القادة والسياسيين لن يكتب له الحياة، لا سيّما وأنّ الرياح اليوم مواتية وتسير بما تشتهي سفن الإصلاح لمن أرادَ إصلاحاً، فالدول العربية تمدُّ يدها اليوم لكلّ السوريين حكومةً ومعارضةً معتدلةً لإيقاف النزيف السوريّ ودمل جراحه، كما أنّ المجتمع العربي مُطالبٌ بفرض رؤيته الضامنة لكيانه الموحّد على السياسة الدوليّة من خلال تكاتفه وفتح الأبواب العربية لاحتضان جميع السوريين والخروج بمقتضيات الحلول الواقعية التي لا بدّ للسوريين من التمثّل بها حتى تتبلور حقيقة الحل محليّاً وعربياً، ومنه دوليّاً.
الزاوية الثالثة: وتتمثل في الجانب الدولي وتصريحات الممثل الأممي "بيدرسون" عن "جديّة" موسكو وواشنطن لطرح آليّاتٍ جديدةٍ لبلورة الحلّ، والتي لا بدّ لها بدايةً أنْ تراعي الواقع المفروض، الذي تعيشه سوريا بعد سني الصراع على المستويات العسكرية والأمنيّة والاقتصادية والسياسية، ومن ثمّ مراعاة أنّ سوريا مهما حدث تبقى دولةً عربيّةً يرتبط مصيرها بمصير شقيقاتها والعكس صحيح.
وهذا وحده يجعل هذه المبادرة، التي تقاطعت التصريحات الأممية والعربية على ضرورتها بصرف النظر عما إذا كانت بتنسيق واطلاعٍ أمميٍّ عربيٍّ أو بقراءةٍ دقيقةٍ للواقع دوليّاً وعربيّاً، فالنتيجة واحدة، وهي أنّ الحقيقة الثابتة تكمن في صحّة هذه التقاطعات، التي لا بدّ من بلورتها لتكونَ أمراً واقعاً، وأيّ خللٍ في زاويةٍ من زوايا المثلّث لهذه المعادلة يعيدها إلى المربع الأول واستحالة الحلّ.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة