في شهره العالمي.. كيف أثر كورونا على الصحة العقلية؟
ألقت جائحة كورونا بظلالها على جوانب كثيرة من حياتنا، لكن تظل الصحة العقلية أبرزها خاصة مع ورود تقارير عن استمرار تأثيرها لأمد طويل.
وخلصت أغلب الدراسات التي أجريت في هذا الشأن إلى أن آثار "كوفيد-19"على الصحة العقلية والرعاية الصحية النفسية كانت وستظل على الأرجح كبيرة، وسجل المختصون ملاحظات عديدة بشأن انخفاض ملحوظ في الصحة العقلية للسكان في العديد من البلدان بعد ظهور فيروس كورونا المستجد.
ومن بين الدول التي أبلغت عن انخفاض ملحوظ في الصحة العقلية للسكان: الصين وإسبانيا وإيطاليا وإيران والولايات المتحدة وتركيا ونيبال والدنمارك، وفقا لموقع مجلة "ذا لانست" المختص.
أحد أسباب ذلك تبلورت في وجود أدلة طوال فترة الوباء على زيادة مستويات الانتكاس لدى الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية عقلية موجودة مسبقًا، وأيضًا كانت هناك زيادة في مشاكل الصحة العقلية لدى الأشخاص الذين ليس لديهم اضطرابات نفسية سابقة، كما لوحظ إجهاد أكبر لمقدمي الرعاية في خدمات الصحة العقلية.
الصحة العقلية تعني مدى صحة عقلك التي بالتبعية تؤثر على الطريقة التي تفكر بها وتشعر بها، وهي جزء من الصحة العامة للشخص، ومن الضروري تسليط الضوء عليها للبحث عن طرق للتحسن والعلاج.
ويركز شهر التوعية بالصحة العقلية في مايو على أهمية الاعتناء بأذهاننا بقدر ما نعتني بأجسامنا، لأن الصحة العقلية مهمة لصحتنا الجسدية والعكس صحيح.
"العين الإخبارية" تستعرض نتائج دراسات أجريت على بعض الدول لتقييم الصحة العقلية لسكانها بعد تفشي فيروس كورونا المستجد.
الصحة العقلية لسكان المملكة المتحدة
مجلة "ذا لانست- thelancet"، واحدة من أقدم وأشهر المجلات الدورية الطبية في العالم، نشرت دراسة عن تتبع الصحة العقلية لسكان المملكة المتحدة خلال فترة الوباء باستخدام عينة احتمالية، لتوصيف مسارات الصحة العقلية وتحديد مؤشرات التدهور.
وقالت: "في هذه البلدان تم الإبلاغ عن معدلات مرتفعة نسبيًا لاضطراب القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والضيق النفسي والتوتر منذ بداية الحرب العالمية الثانية".
الموقع المختص تتبع الصحة العقلية لسكان المملكة المتحدة خلال فترة الوباء باستخدام عينة احتمالية، لتوصيف مسارات الصحة العقلية وتحديد مؤشرات التدهور.
وأوضح الموقع: "باستخدام عينة عشوائية مع بيانات ما قبل الجائحة، وجدنا أن انتشار الاضطراب العقلي كان أعلى بنسبة 50% مما كان عليه قبل الجائحة بعد شهر من تطبيق إجراءات الإغلاق، بالتحديد في أبريل 2020".
وقال: "باستخدام مسح احتمالي لرسم خريطة للصحة العقلية في الأشهر الستة الأولى من الجائحة في المملكة المتحدة، وجدنا المعدلات المرتفعة لسوء الصحة العقلية فور ظهور الوباء".
وأضاف: "اعتبارًا من يوليو 2020 شهدت الصحة العقلية للمواطنين تحسنا، خاصة عندما أعيد فتح المدارس وانخفضت معدلات الإصابة وحدث تخفيف كبير في إجراءات الإغلاق".
الدراسة التي أجراها الموقع كشفت أنه "رغم أن معظم السكان إما ظلوا صامدين أو استجابوا وتعافوا خلال الأشهر الستة الأولى من الجائحة، فإن هناك مجموعتين من الأفراد تثير القلق".
وأوضحت أن المجموعة الأولى شهدت تدهورا في الصحة العقلية للأفراد بسرعة عند ظهور الوباء ولم تظهر أي علامة على الشفاء، والثانية ضمت الأشخاص الذين ساءت صحتهم العقلية بشكل تدريجي شهرًا بعد شهر أثناء الوباء.
وخلصت الدراسة إلى أنه "بين أبريل وأكتوبر 2020، ظلت الصحة العقلية لمعظم البالغين في المملكة المتحدة مرنة أو عادت إلى مستويات ما قبل الوباء".
وأكملت: "يعاني واحد من كل 9 أفراد من تدهور أو ضعف مستمر في الصحة العقلية"، مشيرة إلى أن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المتضررة من الإغلاق، أو الذين يعانون ماليًا، أو يعانون من ظروف موجودة مسبقًا، أو الإصابة بفيروس كورونا، قد يستفيدون أكثر من التدخل المبكر لمعالجة المشاكل العقلية التي أصابتهم.
الصحة العقلية لسكان الولايات المتحدة
أجرى المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) مسحا حديثا لقياس تغيرات الاستجابة النفسية والصحية خلال الجائحة، وشملت الفترة من يوليو 2019 إلى يوليو 2020.
وخلص المسح الأمريكي إلى:
- ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بنسبة 100% على أساس سنوي.
- أفاد 41% من البالغين أنهم يعانون من اضطرابات نفسية.
- أفاد 13% ممن شملهم الاستطلاع أنهم بدأوا أو زادوا من تعاطي الكحول أو المخدرات خلال الفترة الزمنية للتعامل مع التوتر أو العواطف المتعلقة بكورونا.
- 10 % فكروا بجدية في الانتحار في الثلاثين يومًا الماضية بسبب الإجهاد المرتبط بالوباء.
موقع "medicalnewstoday" الطبي نشر تقريرا بتاريخ 9 أبريل/نيسان يستعرض نتائج دراسة أجريت لتشخيص حالة الصحة العقلية للناجين من فيروس "كوفيد-19" في الولايات المتحدة.
ووفقا للتقرير فإن "الدراسة التي أجريت على سكان الولايات المتحدة في عام 2020، شخصت نحو ثلث الناجين من الفيروس التاجي بحالة صحية عصبية أو عقلية في غضون 6 أشهر من الإصابة بكورونا".
كان القلق واضطرابات المزاج أكثر التشخيصات شيوعًا بين المصابين بأعراض كورونا المتوسطة، لكن الأكثر شيوعًا بين الأشخاص المصابين بالمرض الحاد كانت الحالات العصبية، مثل السكتة الدماغية والخرف، وقد يكون التأثير الإجمالي لهذه الاضطرابات، وكثير منها مزمن، جوهريًا على أنظمة الرعاية الصحية والاجتماعية بسبب حجم الوباء.
وذكر التقرير: "منذ بداية الجائحة كانت هناك مخاوف من أن الناجين قد يكونوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض عصبية وعقلية، استنادا لدليل مبكر على أن المرض يمكن أن يؤثر على الجهاز العصبي المركزي".
لكن في نوفمبر 2020، أفادت دراسة رصدية من علماء في جامعة أكسفورد بالمملكة المتحدة أن الناجين كانوا أكثر عرضة للإصابة باضطرابات المزاج والقلق في الأشهر الثلاثة التي أعقبت تلقيهم تشخيص "كوفيد-19".
ووفقا للموقع، استخدم نفس الباحثين الآن السجلات الصحية لأكثر من 236000 مريض في الولايات المتحدة لتقدير مخاطر الإصابة بأمراض عصبية ونفسية في الأشهر الستة التالية لتشخيص الإصابة بكورونا.
ويقدر الباحثون أن النسبة الإجمالية لتشخيص الأمراض العصبية أو العقلية بين المتضررين من كورونا كانت 34%، أكثرها شيوعًا اضطرابات القلق بنسبة 17%، ثم اضطرابات المزاج 14%، واضطرابات تعاطي المخدرات 7%، والأرق 5%.
كان معدل حدوث الاضطرابات العصبية أقل، إذ أصيب 2.1% من جميع المشاركين بسكتة دماغية، و0.7% أصيبوا بالخرف، و0.6% أصيبوا بنزيف في المخ، وفقا للدراسة.
قال البروفيسور بول هاريسون، كبير مؤلفي الدراسة، إن النتائج تؤكد ارتفاع معدلات تشخيص الصحة العقلية بعد COVID-19.
وأكد أنه في حين أن حدوث الاضطرابات العصبية كان أقل بكثير من حالات الصحة العقلية، إلا أن هذا الخطر لا يزال كبيرًا، لا سيما بين الأشخاص المصابين بأعراض كورونا الحادة.
الصحة العقلية لسكان الهند
نقل موقع DW الألماني جانبا مختلفا لتأثير فيروس كورونا المستجد على سكان الهند، مستعرضا وضع الصحة العقلية للأشخاص.
وقال الموقع، في تقرير حديث، إن "الناس في الهند يواجهون أزمة صحية ثانية ناجمة عن الجائحة، إذ انتشر الخوف والقلق بشأن المرض ونظام الرعاية الصحية المكتظ بين السكان، ما تسبب في تدهور الصحة العقلية".
ونقل عن مؤسس مؤسسة Muktha الخيرية، ومقرها بنغالور، قوله إن "كبار السن، وهم من الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة بفيروس كورونا، شهدوا تدهورًا ملحوظًا في صحتهم العقلية في الأشهر الماضية".
بينما قالت منظمة Agewell Foundation غير الحكومية لكبار السن في الهند لـ DW: "كانت هناك زيادة بنسبة تزيد عن 50% بين كبار السن عندما يتعلق الأمر باضطرابات الصحة العقلية، وشمل ذلك: القلق والأرق والكوابيس والاكتئاب وكذلك الضعف والتعب".
وأجرت المنظمة محادثات مع نحو 5000 من كبار السن في الهند في أبريل، من بين هؤلاء أبلغ 63% عن ظهور أعراض الاكتئاب، نتيجة الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية الناجمة عن القيود المفروضة للحد من انتشار الفيروس.
وقال هيمانشو راث، مؤسس مؤسسة أجويل، إن كبار السن الذين تم تشخيص إصابتهم بحالات نفسية موجودة مسبقًا، مثل الاكتئاب والفصام واضطرابات الوسواس القهري والخرف، أظهروا تفاقم الحالة.
يشار إلى أن الهند كانت تعاني من أزمة صحية عقلية حتى قبل الوباء، إذ إن معدل وفيات الانتحار في هذا البلد كان الأعلى في العالم.
ووفقًا لتقرير صادر عن المكتب الوطني لسجلات الجريمة في الهند، أبلغ عن 381 حالة انتحار يوميًا في عام 2019، بزيادة قدرها نحو 3.4% مقارنة بعام 2018.
كما أبلغت الهند عن إصابة عدد كبير من الأشخاص بمرض عقلي. ففي عام 2017 تم تشخيص أكثر من 197 مليون شخص في الهند باضطراب عقلي من بين 1.3 مليار نسمة.
وشمل هذا 45.7 مليون شخص يعانون من اضطرابات الاكتئاب، و44.9 مليون يعانون من اضطرابات القلق، وفقا لدراسة نشرت في المجلة الطبية لانسيت.