كورونا والأمراض المدارية.. هل خدمت الجائحة مكافحة العدوى المهملة؟
ارتباط وثيق بين الأمراض المدارية وفيروس كورونا الذي أظهر قدرة الأنظمة الصحية عالميا، على الاتحاد لمواجهة المخاطر وتحسين الأوضاع الطبية.
ورغم أن البعض يرى أن جائحة "كوفيد-19" شكّلت ضغطاً غير متناسب على العاملين في النظام الصحي العالمي، ما عرّض التقدم الكبير المحرز في مكافحة الأمراض المدارية للخطر، فإنها تعد تجربة واقعية لتوحيد الجهود العالمية وتطبيق تعاون استثنائي لتحسين الأوضاع الصحية عالميا.
ويصادف 30 يناير الاحتفال باليوم العالمي الأول للأمراض المدارية المهملة، وهو مُخصص للتوعية وتعزيز جهود الجهات الصحية العالمية وإشراك عامة الناس في الجهود الملحة الرامية إلى القضاء على الأمراض المدارية المهملة التي تُصيب واحداً من كل 5 أشخاص في العالم.
وعرفت منظمة الصحة العالمية (WHO) الأمراض المدارية (NTDs) على أنها "مجموعة من العدوى المزمنة أو المنهكة السائدة التي تؤثر بشكل غير متناسب على الفقراء، وترتبط هذه الأمراض بارتفاع معدلات الاعتلال والإعاقة طويلة الأمد والوصم المجتمعي وخسارة كبيرة في نوعية الحياة".
وتشمل أمراض المناطق المدارية المهملة (NTDs) مجموعة من الحالات التي يمكن أن تُعمي وتشوه وتعطل الناس، إذ يعيش نحو 1.5 مليار شخص في مناطق تتسبب فيها أمراض المناطق المدارية المهملة مثل حمى الضنك، والجذام، ومرض النوم، وداء البلهارسيات في حدوث ملايين عديدة من حالات المرض سنويا.
القاسم المشترك بين "كوفيد-19" وNTDs
يتميز كورونا المستجد ومعظم الأمراض المدارية بدورات حياة معقدة للعوامل المسببة للأمراض، التي قد تشمل مضيفًا واحدًا أو أكثر بالإضافة إلى نوع واحد أو أكثر من النواقل.
وتعتبر العديد من أمراض المناطق المدارية المهملة أمراضًا حيوانية المصدر، لأنها تؤثر في المقام الأول على مضيفات حيوانية لكنها يمكن أن تنتقل للبشر وتؤثر عليهم.
ومن بين 20 مرضا مداريا، سلطت منظمة الصحة العالمية على 4 منها حيوانية المصدر، قالت إنها تتسبب في حدوث مراضة كبيرة وقد تؤدي إلى الوفاة، ولها تأثير اقتصادي كبير على السكان الفقراء بالفعل الذين يعانون منها".
داء البلهارسيات
هو مرض طفيلي حاد ومزمن تسبّبه الديدان المثقوبة الدموية (المثقوبات) من جنس البلهارسية، وتدعو منظمة الصحة العالمية إلى استراتيجية مكافحة متكاملة لمواجهة المرض الذي أصاب 230 مليونا حول العالم، معظمهم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
وقد أُبلغ عن سريان المرض في 78 بلداً، ومع ذلك، فإن العلاج الكيميائي الوقائي لداء البلهارسيات الذي يُستهدف فيه الأشخاص والمجتمعات المحلية بالعلاج على نطاق واسع، لا يلزم إلا في 52 بلداً موطوناً يشهد مستويات متوسطة أو عالية من سريان المرض.
داء المشوكات
لا يزال داء المشوكات الكيسي يمثل مشكلة صحية عامة تؤثر على الأشخاص المحرومين في أفريقيا والأمريكتين وآسيا، وتمثل هذه العدوى عبئًا إضافيًا على الوضع غير المستقر بالفعل للمتضررين، خاصة المزارعين والرعاة الفقراء في جميع أنحاء المناطق الموبوءة.
يمكن أن تصل معدلات الإصابة عند الإنسان إلى 50 لكل 100000 شخص، ومستويات انتشار تصل إلى 5-10% في المناطق الموبوءة.
وتمثل ندرة الأدوات الفعالة لعلاج هذه العدوى والوقاية منها عقبة مستمرة توضح عدم اهتمام القطاعات ذات الصلة بتطوير أدوية جديدة وفعالة للعديد من أمراض المناطق المدارية المهملة.
داء الليشمانيات
يسبب داء الليشمانيات طفيلي من الطفيليات الليشمانية الأوالية التي يزيد عدد أنواعها على 20 نوعاً، وهو من بين العشرة الأوائل من NTDs مع أكثر من 12 مليون شخص مصاب في جميع أنحاء الأمريكتين وأفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.
ويتضمن هذا المركب نوعًا مثيرًا للقلق مع تسجيل من 200000 إلى 400000 حالة جديدة سنويًا في جميع أنحاء العالم، ووفيات تتراوح بين 20000 إلى 40.000 حالة سنويًا.
داء المثقبيات
نجحت برامج مكافحة داء المثقبيات الأفريقي البشري في جميع أنحاء أفريقيا، حيث سجلت انخفاضًا في الحالات خلال الفترة 2001-2010 بنسبة 73.4%.
الداء المعروف أيضاً باسم "مرض النوم" ينجم عن عدوى بأحد طفيليات الأوّالي تنتمي إلى جنس المثقبيات. وهو ينتقل إلى البشر عن طريق لدغات ذبابة تسي تسي (من جنس اللواسن) التي اكتسبت عدواها من البشر أو من حيوانات تؤوي طفيليات مُمْرضة للبشر.
ويحدث مرض النوم في 36 بلداً فقط من بلدان أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، حيث توجد ذبابة تسي تسي التي تنقل المرض. كما أن "المثقبية البروسية الغامبية" مسؤولة عن أكثر من 98% من حالات مرض النوم المبلَّغ عنها.
مكافحة الأمراض المدارية أثناء كورونا
مجموعة كبيرة من الأمراض الاستوائية المهملة (NTDs) هي في الأساس أمراض حيوانية المنشأ، بما فيها فيروس "كوفيد-19" ومتلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة (سارس) وأنفلونزا الطيور وأنفلونزا الخنازير.
ولأن العالم يواجه حاليًا واحدة من أخطر أزمات الصحة العامة منذ عقود متمثلة في وباء "كوفيد-19"، فمن الجيد استثمار الوعي المتزايد بالأمراض الحيوانية المنشأ الناشئة والمتكررة والتوعية بالأمراض المدارية المهملة.
ويتصور البعض أن يؤدي فيروس كورونا إلى تفاقم الأمراض المدارية المهملة، لأنه سيحول الموارد المالية والبشرية التي تشتد الحاجة إليها، لذا فإن هناك قلقا كبيرا من أن التقدم المحرز في الآونة الأخيرة في جهود المكافحة والقضاء سوف تعود.
يعد الاختلاف الرئيسي بين كورونا المستجد و NTDs أن الأمراض المدارية تؤثر في المقام الأول على المجتمعات المهمشة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، على عكس الأوبئة التي تجذب اهتمامًا أكبر كونها تؤثر على الجميع، الفقراء والأغنياء، مع عواقب وخيمة للغاية في فترة قصيرة من الزمن.
أيضا الخسائر الاقتصادية التي تخلفها الأمراض المدارية تكون أكثر انتقائية في المناطق المدارية المهملة، ما يؤثر بشكل أساسي على السكان الفقراء ومتوسطي الدخل.
لكن الجيد في الأمر إمكانية استغلال الأبحاث الطبية الحيوية، التي كشفت عن قوتها الحقيقية في سباق لقاحات كورونا، لاكتشاف أدوية فاعلة للأمراض المدارية.
فمع النتائج الأولى للعديد من المرشحين للقاحات Covid-19 التي أعطت الأمل لمليارات الأشخاص حول العالم، استحوذت قوة الأبحاث الطبية الحيوية على انتباه الجمهور. كانت السرعة التي تحركت بها لتطوير اللقاحات والعلاجات والاختبارات التشخيصية مثيرة للإعجاب.
ويجب استغلال ذلك وبذل نفس الجهود من أجل أكثر من مليار شخص يعيشون تحت وطأة أمراض المناطق المدارية المهملة، التي لا توجد لقاحات لأغلبها بل وتقنيات تشخيصها محدودة.
aXA6IDE4LjIyNC41Ni4xMjcg جزيرة ام اند امز