ثروات العراق المهدرة.. مليارات أتلفها الفساد
يمثل الفساد المالي والإداري أحد أبرز مرتكزات الإشكالات التي يعاني منها العراق، حيث تسبب الفساد بهدر المليارات من الدولارات، التي كان يفترض أن تشكل عماد الاقتصاد العراقي، فيما تذهب عشرات المليارات سنويا إلى فاسدين ومتنفذين حزبيين ومليشيات مسلحة، بحسب مراقب
على الرغم من مساعي حكومة "الكاظمي" في ملاحقة الفساد المستشري في مؤسسات البلاد منذ سنوات إلا أن ذلك ما زال يصنف ضمن الجهود الطفيفة التي لا تتوازى مع حجم الثروات المنهوبة من البلاد.
ويشكل الفساد أكثر التحديات التي تعترض سير الدولة العراقية ما بعد 2003، بعد أن ضربت آثارها معظم المرافق الحيوية والخدمات الأساسية التي تعثر النهوض فيها رغم الأموال الكبيرة التي بذلت من أجل ذلك الأمر.
مستويات الفقر في العراق
ومع عظيم الثروات والموارد الطبيعية الكبيرة المتمثلة بالنفط والغاز وغيرها إلا أن مستويات الفقر في العراق تتصاعد سنويا يقابلها بطالة تتجاوز الـ35%.
وتقدر الأموال المهدورة بحسب إحصائيات شبه رسمية بـ 500 مليار دولار منذ عام 2003، وحتى الآن ذهب معظمها جراء عمليات سرقة وهدر ومشاريع وهمية.
دفع الفساد وسطوة المليشيات المسلحة على القرار السياسي والاقتصادي للبلاد، بتفجر مظاهرات عارمة عمت أرجاء البلاد في خريف 2019، أجبرت حكومة عبد المهدي على تقديم استقالتها والذهاب نحو انتخابات تشريعية مبكرة.
كان الكاظمي الذي جاء على أنقاض حكومة عبد المهدي، قد توعد بعد أيام من وصوله إلى القصر الحكومي بمحاربة الفساد وتجفيف حركة الأموال غير الشرعية التي تتغذى عليها ما وصفهم حينها بـ"الحيتان".
وعلى أثر ذلك، وجه رئيس الوزراء بتشكيل لجنة رفيعة المستوى بقيادة اللواء أحمد أبو رغيف مع منحها صلاحيات واسعة لتعقب الفساد وملاحقة سراق المال العام.
لجنة مكافحة الفساد
ومنذ ذلك الحين تمكنت لجنة مكافحة الفساد من اعتقال أكثر من 60 متهما بقضايا فساد ممن يشغل منصب وزير ووكيل سابق ودرجات خاصة ومدراء عامين.
وكانت هيئة النزاهة العامة في العراق، كشفت في إحصائية لعام 2021، عن تورط 11 ألفاً و605 مسؤولين، بينهم 54 وزيرا "بالفساد" .
وذكرت الهيئة المعنية بشؤون التحقيق في مكافحة الفساد وهدر المال العام في البلاد، إنها تمكنت من منع هدر أكثر من 15 تريليون دينار عراقي (حوالي 10 مليارات دولار)، خلال العام الماضي.
وحتى الخميس الماضي، أعلنت هيئة النزاهة العراقية الحكم بالسجن مع وقف التنفيذ على وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب وثلاثة مسؤولين كبار بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ.
ونص الحكم القضائي على فرض غرامة قدرها 700 دولار مقابل عقد قيمته 800 مليون دولار، مما أثار سخط واستياء الشارع العراقي جراء تلك العقوبة التي لا تتناسب مع حجم المال المهدور.
جرائم وعقوبات
عضو لجنة مكافحة الفساد السابق، سعيد ياسين يعلق بشان ذلك الأمر قائلاً: " في العراق نلمس العقوبة البسيطة أمام جرائم كبيرة في هدر الأموال وذلك كون المنظومة العقابية لا تجاري حجم تلك الجرائم وكذلك لا تلبي التزامات العراق الدولية جراء ذلك الأمر".
ويضيف ياسين خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "الحديث ما زال يجري عن مكافحة الفساد وتغيب عن أفكارنا العمليات والآليات الكفيلة بتوفير التدابير الوقائية لمنعه وتضييق منافذ عودته مجدداً".
ويشدد ياسين على جملة من النقاط التي من شأنها مكافحة الفساد من الجذور وخصوصاً ان العراق ملزم بذلك طبقاً لاتفاقية الأمم المتحدة، من بينها "تشريع وسن قوانين عقابية رادعة تتماشى مع المتغيرات الحالية وبما يحقق العدالة الاجتماعية والمؤسساتية".
ويستدرك بالقول: "كذلك منافذ صرف الأموال يجب أن تكون مقننة سواء في الجوانب التشغيلية أو الاستثمارية واعتماد المعايير والمبادئ الدولية في إحالة المشاريع والعقود الحكومية ومنع صلاحيات الوزراء والمحافظين بتخويلهم بأبرام العقود".
فساد ونفوذ
ويلفت عضو مجلس مكافحة الفساد، إلى أن "الفساد في العراق جذره سياسي وأدواته ذلك النفوذ الذي دفع بأسماء وشخصيات غير كفوء نحو تقلد مناصب عليا وحساسة".
ويعزز ذلك الرأي ما ذهب إليه مستشار رئيس الوزراء للشون الاقتصادية، مظهر محمد صالح مستشار، إذ يؤكد أن "التوافقات السياسية التي سادت العراق ما بعد 2003، أسهمت في تجذير الفساد وتوفير الغطاء الشرعي لبقائه من خلال صناعة منظومة احكام واعراف على حساب القيمة الحقيقية لمعيار بناء الدولة".
ويضيف صالح خلال حديث لـ"العين الإخبارية"، أن "تلك الفوضى ونهب الثروات عبر عمليات الفساد وسرقة المال العام عضدت من وجود قوى اللادولة وجعلت من إجراءات استئصال تلك الأفعال المنبوذة قانونياً واجتماعياً، عملية معقدة وصعبة تتطلب النفس والوقت الطويل مع وجود الإرادة الوطنية الحقيقية في مكافحتها".
وبحسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية للعام 2021، حلّ العراق في المرتبة 157 (من أصل 180 دولة) في ترتيب البلدان الأكثر فسادا.