الفساد هو جزء من كل ووجه واحد من وجوه التعثر وحالة الضياع توازيه في الأضرار آفة الهدر في الوقف والإمكانات المالية
لا حديث هذه الأيام في العالم العربي الا عن الفساد والهدر في الإدارة العامة وكل مرافق الدول، ما أدى إلى تراجع قدراتها وإشاعة أجواء النقمة والتذمر، وما شهدته عدة دول عربية أخيراً ما هو إلا مثال صارخ على استشراء آفة الفساد والشكوى من هدر الطاقات والثروات والأموال العامة.
من خلال إقامتي الطويلة في الغرب لاحظت الفرق بين أسلوب الخدمة العامة في بلادنا وأسلوبها في الدول المتقدمة، فالمواطن دائماً على حق، والموظف مسؤول مباشرة عن تقديم أفضل الخدمات له ومساعدته وتسهيل عمله وتلبية طلباته واحتياجاته ومعاملته بكل احترام وتقدير
والمؤسف أن البعض يرى في الدولة بقرة حلوباً يستنزف كل ما تنتجه، كما أن البعض الآخر يستغل الفرصة وغياب المحاسبة للنهب والسرقة الموصوفة بلا خوف ولا ضمير يحاسبه على ما جناه وما سرقه من أموال اليتامى والمساكين والفقراء، وما تسبب به من دمار وتخلف.
وما سمعناه خلال الأحداث يندى له الجبين، لما في الفضائح من إجرام وطمع وتماد في النهب، حتى إن بعض رموز الفساد وصلت مسروقاتها إلى مئات الملايين وربما المليارات، ولا يمكن القضاء على هذه الآفة إلا بوضع أسس حضارية لنظام العمل واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب؛ لأن أخطاء المحسوبية والوساطة أوصلت الإدارة العامة إلى هذا الدرك الأسفل، ولا بد قبل كل شيء من وجود رادع ورقيب ونظام محاسبة صارمة يضع حدا لهذه الآفة.
إلا أن الفساد هو جزء من كل، ووجه واحد من وجوه التعثر، وحالة الضياع توازيه في الأضرار آفة الهدر في الوقف والإمكانات المالية لمفهوم الخدمة العامة كمسؤولية ذات قدسية وأهمية خاصة معدومة في ديارنا العامرة.
ومن خلال إقامتي الطويلة في الغرب لاحظت الفرق بين أسلوب الخدمة العامة في بلادنا وأسلوبها في الدول المتقدمة، فالمواطن دائماً على حق، والموظف مسؤول مباشرة عن تقديم أفضل الخدمات له ومساعدته وتسهيل عمله وتلبية طلباته واحتياجاته ومعاملته بكل احترام وتقدير.
وصادف أن احتجت إلى معاملة في إحدى العواصم العربية، فصدمت للأسلوب الذي يتعامل به البعض مع المواطنين، بين توجيه الشتائم والركل والدفع وحتى استخدام العصا وكأن الناس بهائم. كل هذه الآفات لها عدة أسباب، من بينها البيروقراطية التي أدت إلى إحداث تراكمات في العمل الإداري وإيصاله إلى ما وصل إليه من فساد وتأخير وهدر وضياع الوقت والجهد، إضافة إلى تعميم أشكال التواصل وعدم الإخلاص في العمل، وهناك مثل واحد متداول يعطي صورة معبرة على الواقع، وهو تشتغل كثيرا تخطئ كثيراً تعاقب، ولا تشتغل قليلاً تخطئ قليلاً، لا تشتغل أبداً لا تخطئ تترقي أو تترفع في وظيفتك.
وأروي للمناسبة أن أحد الأصدقاء طلب وساطتي في نيل حقوقه بعد فصله من العمل، وعندما تحدثت مع رئيسه أجابني بأنه أخذ تعويضاته، فقلت له: الكل يأخذون تعويضاتهم، الذي يحبك والذي يبغضك والكسول والنشيط والذي يعمل والذي لا يعمل والذي يغيب ومن يواظب على الدوام والمضر والنافع والمخلص والخائن، وقلت له وأنا أشهد بأن صديقي من الصنف الأول، فشكرني لأني فتحت عينيه على حقيقة كانت خافية عليه وعلى كل إداري.
وأختم هذا العرض بتقديم مثال صارخ ومعبر عن مساوئ البيروقراطية وتسببها بتراجع العمل الإداري في غياب المبادرة الفردية.
القصة ذات المغزى تقول إن أرملة عجوزاً تدعى أم حسين لم تكن تمتلك من حطام الدنيا سوى ثور فحل، كانت تعيش من مهماته التي كان يقوم بها، ثم اتسعت شهرتها وذاع صيت ثورها وقرر أعضاء بلدية المنطقة التي كانت تعاني شحا في الموارد بشراء ثور أم حسين واستغلاله مادياً، ومرت الأيام والشهور وثور أم حسين يتحول تدريجياً إلى حمل وديع لا يهش ولا ينش ولا يقارب بقرة فترهل وتكاسل.
وحار أعضاء المجلس البلدي في أمرهم، واستدعوا العضو المعارض وسألوه عن سر معارضته وأسباب تحول ثور أم حسين فرد قائلاً: كان ثور أم حسين حراً يعمل بعرق جبينه، ويسعى إلى رزقه فحولتموه إلى موظف قطاع عام وفهمكم كفاية.
وقصة ثور أم حسين لا تنطبق على كل الموظفين؛ إذ لا يجوز التعميم، فهناك الكثير من الموظفين والإداريين النزيهين والشرفاء والمخلصين لعملهم ووطنهم مقابل قلة فاسدة ومفسدة تتخذ من الإدارة ستاراً لمفاسدها بعد أن باعت ضمائرها وسقطت في خطيئة الرشوة والإهمال والتسيب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة