العامل الأخطر في الظروف الحالية يكمن في فشل القطاع الصحي في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا على مواجهة أزمة فيروس كورونا
في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد في مختلف دول العالم، تبدو الإجراءات الوقائية التي لجأ إليها العديد من الدول الأوروبية محدودة وغير مجدية، ولا يمكن من خلالها حتى الساعة احتواء الوباء المميت الذي بات انتشاره كبيرا في القارة العجوز، حيث آلاف الموتى هناك ومئات آلاف المصابين.
وقد يبرر البعض أن فرنسا لجأت للعزل الكامل والحجر المنزلي منذ أكثر من أسبوعين وتفرض ضرائب مالية على المخالفين، وكذلك فعلت كل من إسبانيا وإيطاليا، ولكن هذه الإجراءات غير كافية للحد من انتشار الفيروس القاتل نتيجة عوامل كثيرة، وفي مقدمتها تأخر حكومات تلك الدول في إعلان وتطبيق العزل الكامل، إضافة إلى أن بعض هذه الدول مثل ألمانيا تفرض حاليا حظرا وعزلا جزئيا في بعض مقاطعتها، في حين أن السويد لم تتخذ هذا الإجراء رغم ارتفاع عدد المصابين لديها إلى ما يربو عن ثلاثة آلاف إصابة معلنة.
هذا إلى جانب أن هذه الدول كلّها تأخرت في إغلاق الهيئات التعليمية كالمدارس والمعاهد والجامعات، الأمر الذي زاد من تفشي الفيروس بين سكانها.
العامل الأخطر في الظروف الحالية يكمن في فشل القطاع الصحي في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا في مواجهة أزمة فيروس كورونا، في حين أن القطاع الصحي في ألمانيا لا يزال صامدا، ولا نعرف إلى متى سيبقى كذلك. فالدول الثلاث الأولى تعاني من أزمة في تأمين الأقنعة الطبية والقفازات وحتى المعقمات
العامل الثاني يقتصر على فرنسا فقط، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يكترث لانتشار الفيروس المميت، وشدد في خطاب له قبل أسبوعين على أن بلاده ستجري الانتخابات المحلّية في موعدها رغم أن حكومته كانت قد أعلنت قبل ذلك منع التجمعات، وبالفعل حصلت الجولة الانتخابية الأولى في فرنسا في ظل إجراءات وقائية غير مجدية، الأمر الذي ساهم في تزايد أعداد المصابين بعد أيام. وأُرغمت بعدها الحكومة على تأجيل الجولة الثانية من الانتخابات المحلية لكن بعد فوات الأوان.
أما العامل الثالث والمشترك بين كل من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وبشكلٍ ضئيل ألمانيا، فهو حالة الطوارئ، فالدول الثلاث الأولى فرضت العزل المنزلي الكامل مع حالة الطوارئ وانتشرت القوات العسكرية في شوارعها، لكن التطبيق العملي يشوبه الكثير من علامات الاستفهام، حيث وضعت هذه الدول استثناءاتٍ عديدة لمواطنيها خلال العزل وهي باعتقادي مثيرة للجدل.
فيمكن لهم الخروج لممارسة الرياضة، وهو أمر يؤدي لاختلاط السكان ويحق لهم التسوّق، فبات معظم المواطنين يخرجون لشراء حاجاتهم بشكلٍ شبه يومي غير مهتمين بتخزين المواد الغذائية وغيرها من الأساسيات لفترة تكفيهم لأسابيع للحد من انتشار الفيروس على غرار ما فعلت الصين في مدينة ووهان. كذلك سمحت الحكومة الفرنسية بتبادل الزيارات بين المطلقين وبزيارة المسنين لرعايتهم.
واللافت أكثر في مسألة العزل هو استمرار العمل في معظم الهيئات الحكومية في تلك الدول، وكذلك القطاع الخاص لم يفرض عليه التوقف عن العمل رغم أن الحكومات خصصت لهم تعويضات مالية بمبالغ كبيرة لحثهم على الإغلاق، إلا أن هذا الأمر لم يحصل في العديد من المجالات، حيث يجبر عدد كبير من المواطنين على الذهاب إلى أعمالهم خوفا من خسارة عملهم، ما يجعل الاختلاط بين الناس كبيرا خلال العمل وفرضية انتشار الفيروس تزداد لا سيما وأن وسائل النقل العام لم تتوقف وتقدم خدماتها للمواطنين دون أي إجراءات وقائية لحمايتهم.
والعامل الأخطر في الظروف الحالية يكمن في فشل القطاع الصحي في فرنسا وإسبانيا وإيطاليا على مواجهة أزمة فيروس كورونا، في حين أن القطاع الصحي في ألمانيا لا يزال صامدا ولا نعرف إلى متى سيبقى كذلك. فالدول الثلاث الأولى تعاني من أزمة في تأمين الأقنعة الطبية والقفازات وحتى المعقمات، إضافة إلى فقدان أجهزة التنفس في العديد من المستشفيات واضطرار الأطباء إلى التفضيل بين الحالات وعلاج الأسهل والقادرة على الشفاء.
ونتيجة هذه العوامل، من المتوقع أن يعمّر كورونا طويلا في القارة العجوز، بانتظار أن تنجح مختبرات إحدى الدول في ابتكار اللقاح المناسب والدواء الفعال للقضاء على هذا الوباء الذي تسبب في وفاة أكثر من 25 ألف شخص حول العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة