فوضى تأمين الشحن في البحر الأسود.. أسعار تخنق سلاسل التوريد
على مسار تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، المخاطر تتسع وتحدق أكثر بسلاسل التوريد، وهذه المرة عبر البحر الأسود بسبب تكلفة تأمين الشحن.
تكلفة قياسية للتأمين على السفن التجارية
خرجت تكلفة التأمين على السفن التجارية المبحرة إلى موانئ البحر الأسود عن نطاق السيطرة، وأصبحت عقبة كبيرة محتملة أمام حركة الشحنات الروسية من المنطقة.
يتقاضى متعهدو التأمين نحو 10% من قيمة هيكل السفينة، أي قيمة السفينة كأصل، مقابل ما يسمى علاوة مخاطر الحرب الإضافية، وفقاً لأربعة أشخاص يعملون في السوق. يعرض بعضهم ببساطة أسعاراً للتغطية التأمينية يعرفون أنَّها ستُرفض، علماً أنَّه لم تكن هناك أي تكلفة تقريباً قبل الحرب.
هذا يعني أنَّ تكلفة التأمين الآن، يُحتمل أن تتجاوز تكلفة استئجار السفينة نفسها. تحتاج ناقلة النفط التي يبلغ عمرها خمس سنوات، والتي تبلغ تكلفتها 50 مليون دولار، وتنقل حمولة روسية قياسية تبلغ مليون برميل؛ إلى 5 ملايين دولار كأقساط التأمين فقط، أي أكثر بحوالي 1.5 مليون دولار من تكلفة التعاقد مع شركة النقل لاستئجار الناقلة بالكامل.
الألغام وتنامي الأسعار
أهم ما تأخذه شركات التأمين في الاعتبار، هو احتمال تعرّض السفن للأضرار، وقد يحدث ذلك إما من خلال هجوم صاروخي أو ألغام محتملة. ففي بداية الحرب؛ تم تفجير ما لا يقل عن خمس سفن. وبعد شهر، جرى اكتشاف لغم قرب مضيق البوسفور التركي، وهو ممر بحري حيوي لأي ناقلة تدخل البحر الأسود أو تغادره.
وبحسب وكالة "بلومبرج"، قال أحد المصادر، إنَّ مجموعة شركات التأمين التي ما تزال تقدّم عروض أسعار، تقلّص عددها إلى حد كبير، مما يعني أنَّ الشركات الباقية تطلب أسعاراً أعلى.
في العادة، الشركات المستأجرة هي من تدفع هذه الرسوم، وليس من يملك السفن. يعد البحر الأسود في العادة مركزاً لصادرات المحاصيل والزيوت والوقود والمواد الخام، لكنَّ الحركة فيه تعطّلت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وقالت إحدى شركات التأمين، إنَّ الأسعار الحالية غير مستدامة بشكل أساسي للعملاء.
تمثل الزيادة على أقساط التأمين، مجرد نفقات أخرى لأي شركة تسعى إلى شحن أي شيء من الموانئ في المنطقة وإليها. كما أنَّ تكلفة استئجار السفن باهظة أيضاً.
تبلغ كلفة استئجار ناقلة لنقل شحنة تبلغ مليون برميل إلى إيطاليا من ميناء "نوفوروسيسك" الروسي على البحر الأسود، قرابة 3.5 مليون دولار مقارنة بأقل من 700 ألف دولار في وقت سابق من هذا العام، وفقاً لبيانات الصناعة التي جمعتها "بلومبرج".
هناك مخاطر أخرى تضاف إلى التهديدات بإلحاق الضرر بالسفينة. يمكن لكلٍّ من القوات البحرية الروسية والأوكرانية الاستيلاء على السفن لاستخدامات تتعلّق بالأمن القومي. إذا تم احتجاز سفن النقل لأسباب سياسية لمدة ستة أشهر على الأقل - ذكر أحد المصادر لمدة عام - فسيؤدي ذلك إلى إعلان خسارة كاملة للسفينة، مما يسمح لمالكها باسترداد القيمة الكاملة للبدن، على حد قول المصادر.
من الناحية النظرية، يمكن للمالكين المضي في العمل دون تأمين. لكن نظراً لكيفية عمل التأمين؛ سيكون لذلك تأثير غير مباشر، إذ من شأنه أن يضعهم في نهاية المطاف في مأزق بسبب مخاطر التلوث، وإزالة الحطام، ومسؤولية الشحن، وأي مسؤولية عن الطاقم، وإعادته إلى الوطن.
مع استمرار الحرب؛ أضافت لجنة الحرب المشتركة التابعة لرابطة سوق "لويدز" المياه الروسية إلى قائمة المناطق الأكثر خطورة. يُحتمل أن يعني هذا فرض شركات التأمين لرسوم إضافية عند التوجه نحو المزيد من الموانئ الروسية في الأسابيع المقبلة.
تكريس أزمة سلاسل التوريد
يأتي ذلك في وقت وافقت فيه شركة "مديترينيان شيبينج" "البحر الأبيض المتوسط" للملاحة "إم إس سي" على الاستحواذ على شركة النقل واللوجستيات الإفريقية التابعة لشركة بولوري مقابل 5.7 مليار يورو "6.3 مليار دولار" بما يشمل ديونها.
وانفردت "إم إس سي"، ومقرها جنيف، وهي أكبر شركة حاويات في العالم، بتقديم عرض نهائي للاستحواذ على الشركة منذ ديسمبر، ويقع مقر بولوري في باريس. ومن المتوقع أن يتم استكمال الصفقة بحلول مارس 2023 بعد موافقات والوفاء بشروط أخرى، وفقا لبيان.
وينظر إلى الحاويات بصفتها صناديق فولاذية ليس أكثر أو أقل، وبالفعل، فالحاوية في نهاية المطاف صندوق فولاذي بأحجام مختلفة، لكن تأثير هذا الصندوق كان كبيرا في مسار التجارة الدولية. عندما يتم الحديث عن تحديات التجارة العالمية في الوقت الراهن، فإن الحوار ينصب على المشكلات، التي تواجه سلاسل التوريد.
وعند التطرق إلى المعضلات التي تعانيها سلاسل التوريد، فالنقاش يتركز على عمليات الشحن البحري، حيث تنقل أغلب السلع والبضائع بين القارات عن طريق البحار والمحيطات. وبالطبع، فإن بحث قضايا الشحن البحري يعني أن النقاش سيضع نصب عينيه المشكلات والتحديات التي تواجه سفن الشحن.
لا يجادل أحد حاليا بأن سلاسل التوريد العالمية تعاني اضطرابا ناجما عن تأثيرات وباء كورونا، التي خلفت أزمة شحن عالمية، لكن جوهر الأزمة المتمثل في ارتفاع تكلفة الشحن، لا يقع على سفن الشحن، بل على النقص الحاد في "الحاويات"، فقد ارتفعت قيمة حجز حاوية 40 قدمًا لشحن البضائع من آسيا إلى شمال أوروبا من 2500 دولار قبل مارس 2020 إلى تسعة آلاف دولار في أغسطس 2021.
وبعض التجار في المملكة المتحدة يشيرون إلى أنهم دفعوا 30 ألف دولار للشحن بسبب نقص الحاويات، بينما ارتفعت تكلفة البضائع المنقولة من آسيا إلى الساحل الغربي للولايات المتحدة 145%.
في الواقع، يوجد ما يمكن وصفه "بالاستخفاف" أو عدم الاهتمام بأهمية الحاويات وتوافرها للتجارة الدولية، فغالبا ما يتم التعامل مع التجارة الدولية من نظرة أيديولوجية عبر الصراع بين العولمة والحمائية، أو أن يتركز الاهتمام على طبيعة وتفاصيل الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، دون أن يبالي أحد باختراع بسيط، ربما كان له دور محوري في حقيقة الأمر في تعزيز التجارة الدولية، هذا الاختراع هو "الحاويات".