بالصور.. ألغام الانقلابيين في اليمن.. الأرض تبتلع الأحياء
لم يتخلص اليمن من مخلفات ألغام 3 عقود من الحروب الأهلية المتلاحقة إلا وقد زرعت الأرض مجدداً بسهولها وجبالها وصحاريها بعشرات الأضعاف
لم يتخلص اليمن من مخلفات ألغام ثلاثة عقود من الحروب الأهلية المتلاحقة إلا وقد زرعت الأرض مجدداً بسهولها وجبالها وصحاريها بعشرات الأضعاف منها.
ولم تشفع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقع عليها نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في اليمن والتي تحرم زراعة الألغام للحد منها، بل ساهم ذات النظام مع شركائه الجدد "جماعة الحوثيين" الانقلابية في زراعة الأرض اليمنية بأنواع وأشكال مختلفة من الألغام المتفجرة؛ أودت بحياة الآلاف من المدنيين "أطفال، نساء، شيوخ"، إضافة إلى أفراد قوات الشرعية اليمنية والمهندسين العاملين على إزالتها.
ومع كل انتصار كانت تحققه قوات الشرعية والمقاومة بمساندة التحالف العربي، يعمل الانقلابيون على تفخيخ الأرض التي يخسرونها بالألغام المحرمة دولياً فسخروا لذلك إمكانيات كبيرة وفتحوا معامل خاصة بصناعة الألغام وهو ما أكدته كمية الألغام محلية الصنع التي تم نزعها وبلغت 90%، حسب إحصائيات أولية.
وبأحجام وأشكال غير معروفة، صنع الانقلابيون ألغاما حديدية وبلاستيكية وأخرى خشبية بالإضافة إلى المفخخات والعبوات الناسفة على شكل أحجار أو طوب أو أنابيب مياه بلاستيكية تفننوا في تشكيلها لخداع الآمنين وقتلهم.
ويؤكد لبوابة العين الإخبارية أحد مهندسي نزع الألغام متحفظاً على ذكر اسمه حفاظاً على أسرته في مناطق سيطرة الانقلابيين: "هؤلاء مجرمون، يزرعون الألغام والمتفجرات في أماكن غير متوقعة، إنهم لا يحاربون بشجاعة وشرف وإلا ما ذنب المواطن البسيط الذي نزح عن داره مجبراً وعاد ليفتح الباب وينفجر به اللغم ومن معه من أفراد أسرته، ما ذنب طفل صغير خرج ليلعب وأراد أن يستريح على إحدى الأحجار وإذا هي لغم مبهم تنفجر به وأصدقائه"، ثم أخذ نفساً عميقاً قبل أن يضيف "في المساجد والمدارس والمزارع والمراعي وحول أبراج الطاقة الكهربائية ومجاري انحدار سيول الأمطار في السهول والجبال وبين أزقة الحارات الصغيرة زرع الانقلابيون ألغام الموت.
زراعة الألغام فاقت زراعة القمح
بشكل كثيف جداً زرع الانقلابيون الألغام في كل المحافظات اليمنية، والحديث هنا لرئيس شعبة الهندسة في المنطقة العسكرية الثالثة، العقيد- صالح ناصر طريق فإن مساحة الأرض المزروعة بالألغام في مأرب بلغت 40% فيما بلغت في محافظة الجوف 70%، أما في محافظة شبوة فإن النسبة 30 % فقط، والبيضاء 60%، وبلغ إجمالي ما جمعت الفرق الهندسية في المنطقة العسكرية الثالثة أكثر من 16 ألف لغم وعبوة ناسفة وقذائف مدفعية خلال المرحلة الأولى تم تدمير قرابة 11 ألفا منها بحسب التوجيهات العسكرية والمحلية، وفي المرحلة الثانية تم جمع أكثر من 3 آلاف لغم وعبوة ناسفة وقذائف مدفعية وقنابل طريق تم تدمير ما يقارب خمسين طنا منهاً.
وأضاف طريق أن "هذه مساحات منطقة واحدة من أصل سبع مناطق، ولو أن هذه المساحات الشاسعة زرعت بالقمح فإننا سنصدر الحبوب للخارج ونكون بلدا مصدرا للغذاء بدلاً عن بلد يحصد الموت أبناءه على مدار الساعة.
وبلغة الأرقام فإن أكثر من خمسة وثمانين ألف لغم تم نشرها وزراعتها في أكثر من 40 منطقة بمحافظة مأرب وحدها تتوزع على 7 مديريات فقط، ضحاياها في مأرب أكثر من 250 من المدنيين حسب "العامري سعيد العامري" وهو رئيس الجمعية الوطنية للتوعية بمخاطر الألغام "وعي" .
المهندسون مشاريع شهادة
وتعد الفرق الهندسية الخط الأول للهجوم على تجمعات الانقلابيين وتقوم بتطهير الأرض وإزالة الألغام منها وفتح الثغرات لقوات الشرعية كي تتقدم، وفي المنطقة الثالثة فقط تجاوز ضحايا الألغام من المهندسين العاملين على نزعها 30 فرداً.
ويقول العقيد طريق: "المهندس لا يذهب إلى المعركة إلا وقد كتب وصيته وجهز كفنه لإدراكه أنه أكثر الناس عرضةً للقنص وانفجار الألغام، خصوصاً وقد حول الانقلابيون الألغام المضادة للدبابات إلى مضادة للأفراد عبر تركيب الدواسات وفخخوا جثث القتلى بوضع الألغام بينهم، قاطعنا أحد المهندسين العاملين ميدانياً الحديث قائلاً: المهندس يذهب للجبهات بدافع وطني وكل شيء يهون لأجل الوطن، نعرف أننا مشاريع شهادة لكن لا مشكلة.. نموت لنحمي الآلاف من الأبرياء.
تضحية وإيثار
خرج ذات صباح برفقة زملائه المهندسين في المنطقة العسكرية الثالثة، وهناك في إحدى شعاب صرواح الوعرة بمأرب كان يقوم بنزع الألغام لفتح ثغرة للجيش الوطني كي يتقدم، إنه "الشرعبي" وقصته تختزل بطولة وتضحية وإيثار بالنفس من أجل القضية والزملاء، بعد تمكنه من نزع لغمين انفجاريين عنيفين يهزان المكان، ومن الجهة التي يعمل بها "الشرعبي" صوت صراخ، وعند الوصول..لغم ثالث زرعه الانقلابيون تمكن من قدمي ضحية جديدة وهو أحد مهندسي نزع الألغام، لم تقف المأساة هنا بل ظل ينزف لساعات دون التمكن من إيصال سيارة لإنقاذه.
يتذكر أحد زملائه الموقف الذي مضى عليه أكثر من عام ويقول: الشرعبي ضحي بنفسه خوفاً علينا، كان يقول لنا اذهبوا قبل أن يأتي الحوثيون لاعتقالكم أو يقنصوكم من متارسهم، وظل ينزف حتى توفي.
بطولات نادرة
وسطر أبناء مأرب رغم عدم الخبرة والمعرفة بطرق وأساليب نزع الألغام بطولات نادرة في تحدي مصائد الموت وساهموا بفاعلية في العملية مع الفرق الهندسية التابعة للجيش الوطني ورجال المقاومة وقوات التحالف الوطني في المناطق المحررة.
ففي الربع الأخير من العام 2015 قام رجال المقاومة بنزع العشرات من الألغام بمنطقة سيلة الجفينة والفاو بمديرية المدينة، وشارك رجال القبائل بنزع الألغام من محيط قراهم، وذكر البعض أن أحد شباب قبيلة عبيدة بمأرب تمكن من نزع أكثر من 280 لغما .
وكان للمرأة المأربية مشاركة بارزة ويروى عن امرأة تمارس مهنة الرعي وتدعى "أم جلال" عملت على نزع أكثر من 32 لغما بمنطقة تباب المصارية المحاذية لسيلة الجفينة.
قصة فولكانو
قيل إن المعاناة تولد الإبداع.. وما عاناه وشاهده في محيطه "حمد محسن طعيزان" أحد المهندسين المدنيين في مأرب، من انتشار خطر الألغام وحصدها لآلاف الأبرياء، شكلت عنده دافعا كبيرا لإظهار إبداعاته واختراعاته في تطوير وتحويل إحدى العربات إلى كاسحة للألغام محلية الصنع، أطلق عليها اسم "فولكانو" أو البركان العربي، تمتاز بمواصفات مختلفة عن شبيهاتها وصلابة في جسمها الخارجي والتدريع، ساهمت بتدمير مئات الألغام.
دعم وجهود التحالف العربي
مثل الدعم الإنساني الذي قدمه التحالف العربي لضحايا الألغام الأمل في قلوب المعاقين، وقدم الفريق الطبي للهلال الأحمر الإماراتي أواخر يناير الفائت بتركيب أطراف صناعية لعدد 22 معاقاً فقدوا أطرافهم جراء مخلفات الحرب والألغام.
وكانت قوات التحالف العربي السباقة في دعم الفرق الهندسية التابعة للجيش الوطني وبادرت بتزويد دائرة الهندسة العسكرية بالعديد من كاسحات الألغام وحوالي 20 جهازا حديثا كاشفا للألغام، وجهزت بعض سرايا الهندسة بألوية الجيش الوطني، كما مولت دول التحالف مشروع المسح الأولي ونزع الألغام بالمناطق السكانية الزراعية في عديد مناطق مديريات محافظة مأرب، ووفر التحالف مادة إتلاف وتدمير الألغام، وكل هذا الحديث لرئيس جمعية "وعي"، أما العقيد طريق فأكد أنه وبالتعاون مع التحالف العربي تم في المرحلة الأولى جمع الألغام وتصفية المناطق الآهلة بالسكان، آملاً أن يستمر الدعم والتعاون لكي تتم المرحلة الثانية التي بدأت أول عملياتها الأسبوع الماضي.
وكانت مبادرة الجيش الوطني في تنفيذ حملة بعنوان "انزع لغما وازرع وردة" وساهمت فيها منظمات المجتمع المدني، شهدت تفاعلاً من قبل كثير من شرائح المجتمع ووجدت الدعم الإعلامي لما مثلته من هدف.