في ظل الانقلاب.. "رصيف البطالة اليمنية" ملاذ للجميع
النوم على الرصيف كان حكرا على المشردين في اليمن، فيما ينام العاملون بالأجر اليومي في الفنادق الشعبية.. فماذا حدث في البلد السعيد؟
بات المئات يفترشون العراء ليلًا على أرصفة العاصمة صنعاء في اليمن تحت ظل حكم الانقلاب الحوثي، وسيطرته على كل موارد الدولة، وقطع مرتبات الموظفين والضمان الاجتماعي، وتدهور قيمة الريال، وارتفاع الأسعار وعجز المستأجرين عن سداد إيجارات المنازل التي يقطنونها، حتى أصبحوا لا حول لهم ولا قوة.
في السابق، كان النوم على الرصيف حكرا على المشردين أو المصابين بأمراض نفسية، فيما ينام العاملون الذين يقصدون المدينة طلبا للرزق في الفنادق الشعبية المعروفة بـ"اللوكاندات" مقابل مبلغ زهيد لقاء فراش يطرحون فيه أجسادهم المنهكة بعد يوم عمل شاق، ويكون الحمام هو الخدمة الوحيدة.
الأعمال توقفت، والمرتبات بدورها انقطعت، وبات عمال الأجر اليومي غير قادرين على الذهاب إلى "اللوكاندة" للنوم ليلا لعدم حصولهم على أموال من عمل يعيلهم، وعلى الجانب الآخر طرد كثير من المؤجرين مَن يقطنون لديهم كمستأجرين وباتت الأرصفة ملاذا لهم.
قصص من الرصيف
على أحد الأرصفة بشوارع العاصمة "صنعاء"، تقابلك كومة من مواد التغليف "الكراتين"، التي جمعها "جميل" على شكل خيمة بين شجرتين متقاربتين.
ينام جميل غير مبالٍ بمَن حوله، ضجيجا كان أو بردا وحرا، بعد أن طرده المؤجر من الشقة التي كان يسكنها مقابل 30 ألف ريال شهريا ( 62 دولارا)، دون أن يسمح له باستعادة متاعه من الشقة لحين سداد ديونه.
تمكن "جميل" من الحصول على مبلغ بسيط ساعده على نقل زوجته وأولاده إلى الريف، وظل وحيدا يتحسس بعض الأمل في عمل ما هنا أو هناك بالأجر اليومي، قد يأتي يوما ويختفي أسابيع.
بؤس وتسول
البؤس يكسو وجه الطفل "نزار" ابن العاشرة وهو يقف على أحد أرصفة مدخل شارع "هائل" يتسول من المارة. يقف "نزار" بالقرب من كوخ كراتين صغير مسقوف ببطانية مهترئة تجلس داخله امرأة خمسينية يقول إنها جدته.
معرض السيارات الفارهة الذي يقف بجواره "نزار" لا يعكس أبدا ما يمر به اليمن من أزمات، خاصة مع ازدهار هذا النشاط بشكل غير طبيعي لإقدام قيادات الانقلاب الحوثي على شراء السيارات.
وفي مدينة ينفق فيها الانقلابيون ملايين الريالات لإقامة مهرجاناتهم الطائفية لتمجيد القتال والتحريض عليه، لا أحد يلتفت لـ"نزار" أو لكوخه، وكأنهما غير موجودين.
كانت جدة نزار لوالده تعمل فراشة متعاقدة في إحدى المصالح الحكومية، لكنها باتت منذ عامين دون راتب. والد نزار أصيب بحالة نفسيه وأصبح مشردا بالشوارع، اما والدته فهي تتسول من مكان إلى آخر.
الرصيف منازلهم
فوق فراش من الكراتين يجلس "ناظم" وبجواره كيس ملابسه الخاصة. في الليل يتحول الكيس إلى وسادة، لكن النوم يأبى أن يصل إلى عيني "نزار" بفعل أصوات السيارات.
ضجيج الحياة في رأس "ناظم" يكفي أيضا ليفقده عقله، لكنه متماسك بقوة الدعاء إلى الله بتعجيل الفرج ليتخلص الوطن من فئة باغية قضت على كل شيء.