تمثل الضربة الأميركية الأخيرة ضد سورية أول توقيع من دونالد ترامب على بدء عهد جديد
تمثل الضربة الأميركية الأخيرة ضد سورية أول توقيع من دونالد ترامب على بدء عهد جديد، يحول فيه وعوده وأفكاره التي طرحها خلال حملته الانتخابية إلى أفعال بعد دخوله البيت الأبيض، وعلى رغم أنه لم يتضح بعد ما إذا كانت الضربة هي الرد الأميركي كاملاً على ما حدث في خان شيخون أم لا تزال هناك إجراءات أخرى، فإن الرهانات على كبح تحركات ترامب أو عجزه عن تنفيذ ما وعد به أثبتت خطأها. ويظهر أن نية إصلاح ما أفسدته إدارة أوباما بدأت تأخذ مكانها على أرض الواقع، لأن الخسائر الأميركية لم تكن بسيطة، سواء من حيث زوال الهيبة وتراجع الصدقية، أم خسارة حلفاء موثوقين أصبحوا ينظرون بتشكك إلى السياسات الأميركية تجاه المنطقة ويتطلعون إلى إقامة تحالفات استراتيجية بديلة تحسباً لأي تقلبات أميركية، وهو ما أوجد منافسين أقوياء لواشنطن حصلوا على مكاسب سياسية واقتصادية مهمة، وأحرزوا نقاطاً لمصالحهم.
من الضروري أن تُبذل جهود عربية منسقة تقوم بها الإمارات والسعودية ومصر والأردن، لاستثمار العلاقات مع الولايات المتحدة في تصنيف الإخوان المسلمين والحرس الثوري جماعتين إرهابيتين
أخطاء إدارة أوباما كثيرة، لكن أهمها يتركز بالنسبة إلينا في ملفين رئيسين، أولهما (والترتيب لا يعني أهمية لأحدهما أكثر من الآخر) هو ملف تنظيم الإخوان المسلمين الذي بسطت له الإدارة الأميركية يدها وفتحت له باب البيت الأبيض، وتحالفت معه خلال فترة الاضطرابات العربية بعد عام 2011، ودعمته للوصول إلى الحكم ودافعت عنه ضد رفض الشعوب العربية سياساته التخريبية على رغم ممارسته للإرهاب. والملف الثاني هو الملف الإيراني الذي غامر فيه أوباما بالتخلي عن كل شيء لمصلحة نظام ناصب الولايات المتحدة الأميركية العداء، ولم يتوقف يوماً عن تهديد الأمن في المنطقة، واستهداف المصالح العربية والأميركية ونشر مناخ التوتر والكراهية في محيطه، وتعميق الطائفية واستخدامها في اختراق الدول المجاورة والتدخل في شؤونها الداخلية.
وفيما يخص الملفين، اعتبر دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية وبعدها أن إيران هي «أكبر راعٍ للإرهاب في العالم». وأعلن مسؤولون أميركيون في شباط (فبراير) الماضي أن هناك جهوداً تجرى بالفعل لتصنيف «الحرس الثوري» الإيراني ضمن الجماعات الإرهابية، وهو إجراء سيترتب عليه اعتبار الجماعات التي يحركها الحرس الثوري داخلة ضمن التصنيف نفسه، ومنها «حزب الله» و «الحشد الشعبي» والميليشيات الشيعية الأخرى التي ترتكب الجرائم في العراق، وكذلك «الحوثيون». واتخاذ القرار الفعلي بهذا الخصوص يحتاج إلى عزيمة وشجاعة أظهرت الضربة العسكرية على سورية أن ترامب لا يفتقر إليهما.
لقد حذر بعض المسؤولين الأميركيين من أن تصنيف الحرس الثوري ضمن المنظمات الإرهابية يترتب عليه مواجهة شاملة ومفتوحة مع إيران بحكم تغلغل الحرس الثوري في الحياة السياسية والاقتصادية الإيرانية، وترامب يؤكد عبر تحركه في سورية أنه لن يتردد في خوض المواجهة مع طهران، بل إن رسالة الضربة العسكرية ضد سورية كانت في جزء كبير منها موجهة إلى إيران.
الملف المتعلق بتصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية ليس بصعوبة ملف الحرس الثوري، وإن لم يخلُ من تبعات محتملة. وقد أعلن ترامب خلال حملته الرئاسية وبعد تسلمه منصبه، أنه سيسعى إلى إدراج الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية، ولا يزال الموضوع مطروحاً بقوة. وقبل أسبوع، وعلى هامش زيارة الرئيس المصري للولايات المتحدة، قال المستشار السابق لحملة ترامب لشؤون الشرق الأوسط وليد فارس، إن هناك اقتناعاً داخل الإدارة بخطورة التنظيم، وبأنه حاضنة للأفكار والتنظيمات الإرهابية الأخرى، غير أن اتخاذ القرار بتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية يتطلب إجراءات معقدة، وأن الإدارة الأميركية تولت المسؤولية منذ شهرين فقط، وهي تحتاج إلى التريث لاختيار وقت مناسب لاتخاذ القرار.
وقد نشرت صحيفة «واشنطن بوست» قبل أسبوعين تقريباً أن وزارة الخارجية الأميركية قالت في تقرير لها إن تصنيف الإخوان المسلمين ضمن الجماعات الإرهابية ربما يهدد المصالح الأميركية، لأن الجماعة تمتلك شبكات واسعة التأثير في كثير من دول العالم. وعلى رغم ذلك فإن الصيغة التي أوردتها الصحيفة تتحدث على الأغلب عن إرجاء للقرار، وليس عن إلغائه، كما أن الإرجاء يستند في جانبه الأقوى إلى الخوف على مصالح أميركية، وليس إلى تبرئة للإخوان المسلمين من التورط في نشر فكر الإرهاب أو ممارسته فعلياً من خلال جماعات تابعة لهم تنظيمياً وفكرياً.
نقطة الترجيح التي سترجح كفة مضي الولايات المتحدة في التخلص من تركة أوباما والتغلب على المخاوف المرتبطة بتصنيف الإخوان المسلمين والحرس الثوري الإيراني ضمن المنظمات الإرهابية، هي شخصية دونالد ترامب القادرة على اتخاذ القرارات الحساسة والدقيقة، على النحو الذي أظهره تحركه السريع والحازم في سورية. وسيكون تصنيف المنظمتين إرهابيتين إعلاناً حقيقياً ومؤكداً عن انتهاء سياسة «الفوضى الخلاقة» بما جرته على الولايات المتحدة والعالم العربي من خسائر.
ليس مستبعداً كذلك أن يكون ضمن المؤسسات المتنفذة في الولايات المتحدة أو أجهزتها الاستخباراتية من يعتبر الإخوان المسلمين من بين الأصول السياسية القابلة للاستثمار والتوظيف في المستقبل القريب أو البعيد، وأن هذه المؤسسات هي ما يعوق اتخاذ القرار الذي يسعى إليه ترامب، لكن الأمور تتخذ طريقها نحو التغيير الآن.
لقد صُنف تنظيم الإخوان المسلمين إرهابياً من جانب ثلاث دول رئيسة ومهمة في المنطقة، هي السعودية والإمارات ومصر، وأهل المنطقة أدرى بشعابها وأكثر إدراكاً للدور الهدام الذي يلعبه التنظيم، وأكثر تأثراً بمؤامراته لزعزعة استقرار المنطقة. ومصالح الولايات المتحدة التي يعيها ترامب ويأخذها في الاعتبار تقتضي الانضمام إلى الجانب الأقدر على التنمية وإدارة شؤون المنطقة بما يكفل استقرارها، وهو أمر مهم للعالم كله.
كانت تصريحات الرئيس الأميركي مشجعة خلال زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للولايات المتحدة، وتكرر الأمر نفسه في زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ويمكن الدول العربية المعنية أن تساهم في مساعدة ترامب في تحويل هذه التصريحات إلى أفعال ملموسة، والبناء على ما أبداه من تفهم لما تتطلبه المرحلة.
في هذا الإطار، من الضروري أن تُبذل جهود عربية منسقة يقوم بها قادة الإمارات والسعودية ومصر والأردن، لاستثمار العلاقات الجيدة في وضع مشروعيْ تصنيف الإخوان المسلمين والحرس الثوري جماعتين إرهابيتين موضع التنفيذ، ومواصلة التنبيه إلى الدلالات السياسية الإيجابية لمثل هذه الخطوة، وقدرتها على إشاعة مناخ من التفاؤل بدور أميركي فــاعل يدعم الاستقرار والأمن في العالم العربي، ويحد من حرية الحركة المتاحة للأطراف التي تسعى إلى تقويض السلام.
هذه الجهود العربية يمكنها أن تحبط تحركات جماعات الضغط الإيرانية والإخوانية في الولايات المتحدة، وهي جماعات امتلكت خبرة وحققت أقصى نجاحاتها خلال فترتي رئاسة باراك أوباما، وهي لا تزال فاعلة وقادرة على عرض وجهات نظرها وتخويف الإدارة الحالية من تبعات القرارات المزمعة. ولن تكون معركة مواجهة جماعات الضغط هذه سهلة، لكن فرص النجاح أكبر من أي وقت مضى.
*نقلاً عن " الحياة "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة