القرم "ثكنة عسكرية".. نيران الحرب تصل "مصيف" الروس
بالنسبة لبعض الروس، بدت شبه جزيرة القرم مكانا جيدا كأي مكان لقضاء عطلة أغسطس/أب.
ففي "ريفيرا القرم" هناك شواطئ على طول البحر الأسود، ومنازل داتشا للاسترخاء، ومنتجعات شاطئية فاخرة، وحتى مسارات جبلية، وآثار تاريخية، وكل ذلك بسعر معقول، وبدون مغادرة الحدود الروسية المعلنة ذاتيا، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.
وسيكون جواز السفر الروسي موضع ترحيب في شبه الجزيرة، التي تم ضمها من أوكرانيا عام 2014، مما أثار سنوات من التوترات المتصاعدة بين البلدين المتجاورين، وهناك، لن يسخر أحد من الروس، كما يحدث معهم في أي بؤرة أوروبية أخرى.
لكن إذا ذهب الروس إلى القرم، لنسيان تداعيات الحرب بأوكرانيا، فلن يستمر ذلك طويلًا؛ فيوم الثلاثاء الماضي، هزت 3 انفجارات على الأقل الساحل الغربي لشبه جزيرة القرم، وأظهرت مقاطع فيديو ردود فعل مرتبكة بشاطئ نوفوفيدوريفكا الرملي.
ووقف السباحون في حالة ذهول مع تصاعد أعمدة الدخان من قاعدة ساكي الجوية القريبة، وسرعان ما ظهرت على الشبكات الاجتماعية مقاطع فيديو لطرق الخروج من القرم مزدحمة بالمصطافين الذين قطعوا عطلتهم.
وقالت موسكو إنه مجرد انفجار للذخيرة، وليس هجوما، ولم تتبن كييف المسؤولية فورًا، ومع ذلك لم يكن هناك شك في أن الحرب وصلت القرم.
ووصل الصراع الآن "منطقة رمادية" من السيادة بين روسيا وأوكرانيا التي تمتد في الواقع لأبعد من 2014، إلى أعماق التاريخ الإقليمي والأسطورة القومية.
ولم يتضح بعد ما حدث بالضبط في قاعدة ساكي الجوية، ويبدو أن الروايات الروسية عن حدوث أضرار طفيفة تتعارض مع أدلة الفيديو.
وقال سلاح الجو الأوكراني خلال بيان، إنه تم تدمير 9 طائرات عسكرية في القاعدة، وهو إن كان دقيقا، سيكون أكبر خسارة في يوم واحد للقوات الجوية الروسية منذ بداية الحرب المستمرة منذ ستة أشهر تقريبا.
لكن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها مباشرة عن الهجوم، وقال مسؤول بالحكومة الأوكرانية لـ"واشنطن بوست"، الأربعاء، إن القوات الخاصة الأوكرانية شنت الهجوم.
وفي وقت سابق، قال مسؤول أمريكي للصحيفة، إنه بدا أن القوات الأوكرانية شنت الضربة باستخدام سلاح لم تزودهم به الولايات المتحدة.
ويظهر الهجوم المكانة الغربية التي تحتلها شبه جزيرة القرم في الصراع الأوكراني، وتبلغ القرم نفس حجم ولاية ماريلاند تقريبا، ويعيش فيها حوالي 2 مليون نسمة.
ودخلت روسيا عسكريا شبه الجزيرة في مارس/آذار عام 2014، لتستولي عليها من أوكرانيا، وضمتها رسميًا بعد ذلك بأسابيع، بعد استفتاء متنازع عليه، على نطاق واسع شهد تصويت سكان القرم بنسبة 96.77% للانضمام إلى روسيا.
ورسميًا، لا تزال جزءًا من أوكرانيا في أعين العالم، واعترفت بضع دول فقط بسيادة أوكرانيا عليها، لكن لم يكن هناك شك على مدار الـ 8 أعوام الماضية فيمن لديه السلطة على الأرض.
ولطالما اعتبرت روسيا سيطرة أوكرانيا على القرم نتيجة خطأ تاريخي، في عام 1954، نقل رئيس الوزراء السوفيتي نيكيتا خروتشوف ما كان يعرف حينها بأوبلاست القرم، منطقة إقليمية، من روسيا إلى أوكرانيا، ولاتزال الأغلبية في القرم تتحدث الروسية، وفي عهد الاتحاد السوفيتي كان هذا النوع من الاختلاف الإداري اسميا.
لكن مع انهيار الشيوعية، أصبح وضع القرم كمنطقة رمادية مشكلة، وكان الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف بمنزل العطلات الخاص به في القرم عندما شن جهاز الاستخبارات السوفيتي (KGB) انقلابا ضده عام 1991.
وعندما أجرت أوكرانيا استفتاء للاستقلال عن روسيا في وقت لاحق من ذاك العام، فضل 54% من سكان القرم الانفصال، وكانت هناك دعوات للاستقلال عن أوكرانيا ببرلمان شبه الجزيرة.
وبالنسبة لكييف وموسكو، كان لشبه جزيرة القرم قيمة كبيرة للغاية بحيث لا يمكن خسارتها تماما، وسيطرت أوكرانيا عليها بعد 1991، في حين سمح لروسيا بإبقاء الأسطول البحري في سيفاستوبول، وهو ميناء مهم في القرم يوفر القدرة على الوصول إلى البحر المتوسط على مدار السنة لروسيا.
وأثبت موقع شبه الجزيرة الاستراتيجية أهميته لتحركات الجنود الروس إلى جنوب أوكرانيا في وقت سابق من هذا العام، ليصبح مركزا لوجيستيا رئيسيا بجهود الحرب الروسية.