فقه استغلال الأزمات.. داعش يتمدد بسوريا بعد كارثة الزلزال
في تجاهل لكارثة إنسانية كبيرة، لا يزال تنظيم داعش الإرهابي يكثف من محاولاته لتوظيف زلزال سوريا سياسيا وتنظيميا.
خبراء سياسيون تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، قالوا إن تنظيم داعش الإرهابي سيسعى كعادته فيما يعرف بـ"فقه استغلال الأزمات" لترتيب صفوفه، ومحاولة التمدد في مساحات الفراغ التي سببها الزلزال، وتجنيد عناصر جديدة.
الخبراء حذروا من أن الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا يمثل فرصة أمام داعش لتصعيد هجماته مجددا، لكنهم أكدوا أيضا أنه عقب الضربات التي تلقاها التنظيم بسوريا والعراق ومختلف المناطق الأخرى من الصعب أن يعود بقوة من جديد.
وشهدت سوريا، عقب الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في السادس من فبراير/شباط الجاري، سلسلة من الهجمات الإرهابية لتنظيم داعش.
وخلال الأيام الماضية، شن تنظيم داعش هجوما إرهابيا في منطقة صحراوية بوسط سوريا، شرق محافظة حمص، أسفر عن مقتل 68 شخصاً، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، بينما تحدث التلفزيون السوري عن "53 شخصا كانوا يجمعون الكمأة قتلوا في الهجوم".
وهجوم الأسبوع الماضي هو الأكثر دموية الذي يشنه التنظيم منذ أكثر من عام، حين هاجم سجناً في شمال شرقي سوريا، وتحديداً في منطقة تسيطر عليها القوات الكردية.
وأسفر الهجوم يومها عن 373 قتيلاً بينهم 268 متشدداً بعد معارك شرسة استمرت أياماً عدة، وفق المرصد.
وسبق هذا الهجوم، تنفيذ نزلاء سجن في شمال غرب سوريا عصيانا بعد يوم واحد من الزلزال المدمر؛ حيث تمكن 20 منهم على الأقل من الفرار من المنشأة التي تضم سجناء غالبيتهم أعضاء في تنظيم داعش.
ويحتجز السجن في بلدة راجو قرب الحدود التركية، نحو ألفي سجين، قرابة 1300 منهم يشتبه بانتمائهم لتنظيم "داعش"، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن مصادر أمنية.
وتأتي حادثة راجو في أعقاب هجوم لتنظيم "داعش" في ديسمبر/كانون الأول الماضي استهدف مجمعا أمنيا في الرقة، بهدف تحرير رفاقهم المتطرفين من سجن هناك.
خلايا نائمة
الكاتب والباحث المغربي في شؤون حركات الإسلام السياسي، محمد عبدالوهاب الرفيقي، تحدث عن استغلال "داعش" لتداعيات زلزال سوريا وتركيا المدمر، قائلا لـ"العين الإخبارية": "التنظيمات الإرهابية تعمل على استغلال الكوارث الإنسانية التي يقل بها الشعور بالأمن والأمل، وتعم فيها الفوضى ويقل فيها تحكم الدولة والنظام، من أجل إعادة ترتيب نفسها بالمنطقة".
وأكد "الرفيقي" أن داعش سيحاول استغلال هذه الأوضاع للعودة من جديد، خاصة أن المنطقة لا يزال بها عدد من الخلايا النائمة، والدواعش مختبئين ويترقبون هذه الفرص للعودة من جديد".
غير أن الباحث المغربي، أكد أنه بعد الضربات التي تلقتها "داعش" في سوريا والعراق ومختلف المناطق الأخرى من الصعب عليها العودة بقوة من جديد.
وإذ نبه إلى أن تنظيم داعش قد ينشط بعض عملياته المحدودة، أكد الرفيقي أن عودة داعش كتنظيم قوي بالمنطقة أمر صعب؛ لأنه فقد كثيرا من قوته، ولن يكون الأمر بالسهولة التي يمكن تصورها.
ترتيب الصفوف
كما حذر الكاتب المصري هشام النجار الخبير في شئون حركات الإسلام السياسي، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن كارثة الزلزال وتداعياتها الإنسانية "ستخلق مساحات كبيرة لتحرك التنظيم الإرهابي، في ظل انشغال الدول المنكوبة وأجهزتها بمعالجة آثار الكارثة المفجعة".
النجار أضاف: "سيسعى التنظيم إلى تجنيد عناصر، واستغلال المساحات التي ارتخت قبضة الدولة عن السيطرة عليها للتمدد خلالها، وإعادة ترتيب صفوفه وتشكيل خلايا جديدة، وهذا يتضح من خلال نشاط داعش مؤخرا في سوريا، حيث ضاعف من عملياته ونشاطه وهجماته بالقرب من المناطق المنكوبة".
وأشار الخبير السياسي المصري، إلى أن "مواجهة الحالة الحالية عملية معقدة؛ لأنها تتطلب سرعة احتواء الكارثة، وتوزيع مجهود الدولة وأجهزتها بحيث لا تنشغل فقط بملف الزلزال وآثارها وتهمل واجباتها التقليدية سواء الأمنية أو الاجتماعية".
ووفقا للنجار، فإن الأمر يتطلب تعاون مختلف القوى الدولية، وتجاوز الحسابات السياسية لإزالة آثار الزلزال، وتفادي استغلال داعش للكارثة وهو ما يجيده التنظيم الذي ينمو ويتمدد في الفوضى وفي مساحات الفراغ التي لا تتواجد بها الدولة كما يلعب على معاناة الناس لتجنيد المحتاجين والمحبطين.
مساران لداعش
وذهب الدكتور أحمد كامل البحيري الباحث المصري المتخصص بشؤون الحركات الإسلامية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية "في مقال نشره الثلاثاء عبر الموقع الإلكتروني للمركز، إلى أن زلزال 6 فبراير/شباط بمثابة نقطة بداية لمسار جديد في إعادة رسم خارطة التنظيمات الإرهابية في شمال غرب سوريا".
وبين البحيري أن التنظيمات الإرهابية سعت في مناطق إدلب وريف حلب إلى توظيف وقوع الزلزال سياسياً، في محاولة لتحقيق العديد من المكاسب السياسية والتنظيمية، سواء بين بعضها البعض أو في مواجهة النظام السوري، أو حتى في مواجهة تركيا، في تجاهل كارثية الحدث والارتفاع المستمر في أعداد الضحايا والمصابين.
ومع وقوع الزلزال، والحديث لـ"البحيري"، بدأ التنظيم الإرهابي من خلال منصاته المختلفة في استغلال الحدث عبر مسارين: الأول، توجيه خطابات ورسائل بأن "شدة الكارثة كانت نتيجة تعاون المواطنين في مواجهة التنظيم"، وأن ما حدث هو "عقاب إلهي لهجرة المدنيين ما يطلق عليه التنظيم (الخلافة)".
أما المسار الثاني، فهو دعوة المدنيين في شمال غرب سوريا إلى الانتقال لمناطق ارتكاز تنظيم داعش والانضمام إليه، مع التأكيد على خلو مناطق "البادية"- وهي إحدى أهم مناطق ارتكازه بسوريا- من أضرار الزلزال وتوابعه.
ومن جهتها، قالت تقى النجار، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات والاستراتيجية بالقاهرة، إن التنظيمات الإرهابية تتبنى على وجه العموم وتنظيم داعش على وجه الخصوص "فقه استغلال الأزمات"، حيث تسعى إلى توظيف الأزمات المختلفة من أجل توسيع نشاطها، وتعزيز نفوذه، وتصعيد عملياتها.
وبينت أن التنظيم استغل تحول موارد الدولة لمواجهة تداعيات الزلزال، وذلك عبر تهريب عناصره من ناحية، بجانب تعزيز نشاطه من ناحية أخرى، حيث فر نحو 20 عنصرًا من عناصره من أحد السجون بعد الزلزال.
وفي الأشهر الأخيرة، كثف تنظيم داعش هجماته الدامية على رغم خسارته معاقله في سوريا والضربات التي تعرض لها من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وتلاحق القوات الأمريكية والتحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديي تنظيم داعش، وتشن بين حين وآخر غارات وعمليات دهم أو إنزال جوي ضد عناصر يشتبه في انتمائهم إلى التنظيم في سوريا.
وفي 18 فبراير/شباط الجاري، أعلن الجيش الأمريكي أن جنوده تمكنوا بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من اعتقال قيادي في داعش بسوريا.
aXA6IDMuMTM5LjcyLjE1MiA= جزيرة ام اند امز