رغم تعقد المشهد.. مركز «تريندز»: هناك بوادر انفراجة في ليبيا
لا يزال الوضع السياسي بليبيا معقدا بعض الشيء، لكن رغم ذلك تبدو بوادر لانفراجة على نحو تؤكده دراسة جديدة لمركز تريندز للبحوث والدراسات.
ولفتت الدراسة إلى الخلافات بين الفرقاء السياسيين، التي أعاقت إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على الرغم من الانتهاء منذ فترة ليست بالقصيرة من صياغة الإطار الدستوري والقانوني لها.
وتؤكد الدراسة أن الدولة الليبية منذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي عام 2011، تمر بأزمات سياسية وأمنية طاحنة هددت بشكل كبير المسار الديمقراطي الذي يتطلع إليه الشعب وتدعمه الجهود الأممية.
بوادر انفراجة رغم التعقيد
وتقول دراسة مركز تريندز إنه رغم مشكلة الانقسام والانتشار المكثف للمليشيات والتدخلات الإقليمية والدولية، فإن من المشهود خلال الفترة الأخيرة وجود بعض البوادر التي تشير إلى إمكانية حدوث انفراجة.
وأوضحت أن هذه الانفراجة مستقاة من تصريحات المسؤولين الليبيين، التي كشفت عن رغبتهم في تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة والدائمة.
وقدمت الدراسة توصيفا للمشهد السياسي والأمني الليبي، الذي يتعقد مرة أخرى عقب الفشل الذريع في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي كان مقررا إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الثاني 2021، مع الإخفاق في طرح مشروع الدستور الجديد للاستفتاء العام.
وتزامنت مسألة الدستور مع رفض عبدالحميد الدبيبة رئيس الحكومة الانتقالية الاستقالة، ما أدى إلى نشوب صراعات واسعة النطاق في العاصمة طرابلس عام 2022، وتجددت الخلافات السياسية كذلك، مع قرار البرلمان بتنحية الدبيبة وتعيين رئيسٍ جديدٍ للوزراء، هو فتحي باشاغا، الذي خلفه أسامة حماد.
وأكدت الدراسة أن تلك الخطوات أعادت ليبيا إلى الوضع الذي كانت عليه بين عامي 2014 و2021، خاصة في ظل وجود حكومتين تتنازعان السلطة.
أسباب تصاعد حدة الصراع
وضمن أسباب تصاعد حدة الصراع مرة أخرى في ليبيا لفتت الدراسة إلى تهميش بعض الجهات الفاعلة من المصالحات السياسية، مثل المشير خليفة حفتر أو الجماعات المسلحة المتمركزة داخل العاصمة طرابلس، ما زاد من حدة الاستقطاب.
كما تسبب هذا الوضع في فشل عديد من مبادرات واتفاقيات السلام، التي لم تنجح فقط إلا في تحقيق سلام هش في فترات قصيرة، إلى جانب التدخلات الدولية والإقليمية التي همّشت بشكل منهجي أطر التفاوض الوطنية، بما يتوافق ويتناسب مع مصالحها الخاصة.
علاوة على ذلك، تشير الدراسة إلى سبب آخر، هو ضعف سلطات الحكم المركزي الموروثة من عهد العقيد معمر القذافي، ما أدى إلى تفاقم أزمة الشرعية، إلى جانب تعثر جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لا سيما فشل جهود الوساطة التي قادتها البعثة بين القوى المتصارعة.
وقد أدى هذا إلى عدم قدرة البعثة على إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، فالمبعوث الأممي الحالي في ليبيا عبدالله باتيلي، لم يستطع أن يتحرك بشكل مستقل بعيدا عن الحسابات المعقدة للتدخلات الدولية والإقليمية في الشأن الليبي.
وتشير الدراسة إلى أن التدخلات كانت بخصوص ملفات بعينها، مثل قوانين الانتخابات، والحكومة التي يدعو مجلس النواب إلى تشكيلها بدلا من حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس وحكومة الاستقرار الوطني في بنغازي التي تشكلت في 10 فبراير/شباط 2022.
وجاء تشكيل تلك الحكومة عقب إجراء تصويت بالبرلمان الليبي حول تعديل الإعلان الدستوري، بسبب نشوب خلاف بين مجلس النواب الليبي وحكومة الوحدة الوطنية.
وأشارت الدراسة إلى وجود بعض القضايا العالقة بين الفرقاء السياسيين الليبيين، كتلك المتعلقة بقوانين الانتخابات، فمجلس النواب الليبي يعلن في كل المناسبات أن القوانين جاهزة ولا تحتمل أي تعديل أو تغيير، بينما المجلس الأعلى للدولة يرفض مثل هذه القوانين، ويصر على إعادة النظر فيها.
وهذا الخلاف يسيطر على أي اجتماع يعقد بين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، ومحمد تكالا رئيس المجلس الأعلى للدولة، وفق الدراسة، ومن ثم يؤدي إلى فشل أي مبادرات لتشكيل أي حكومة جديدة.
اتفاق وقف إطلاق النار
وعلى الرغم من الالتزام باتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا، الذي عُقد في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023 برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وعودة مئات المرتزقة التشاديين والمقاتلين الأجانب من ليبيا إلى تشاد، تقول الدراسة إن تقدُّم انسحاب الوحدات العسكرية والجماعات المسلحة من جميع خطوط الاتصال لا يزال يواجه صعوبات.
ولفتت إلى أن هذا يعود في أسبابه إلى جمود المسار السياسي، فالمنافسات بين الجهات الأمنية لا تزال قائمة في طرابلس لتحقيق السيطرة على المناطق الاستراتيجية، كما أن الوضع الأمني في الجنوب الليبي أصبح مثيرا للقلق، لا سيما مع تعقد الأوضاع في السودان ومنطقة الساحل.
وترى دراسة مركز تريندز أنه قد كان من المثير للاهتمام إعلان وزير الداخلية الليبي عماد الطرابلسي، في 21 فبراير/شباط 2024، التوصل إلى اتفاق لإخلاء العاصمة طرابلس من الجماعات المسلحة خلال الفترة القادمة.
وترى الدراسة أن هذه الخطوة، لو قدر لها النجاح، ستسهم كثيرا في استقرار الوضع الأمني في الداخل الليبي، لأنه من المتوقع عقب انسحاب هذه الجماعات من العاصمة وعودتها إلى ثكناتها، إخلاء المدن كافة من المظاهر والتشكيلات والبوابات التي تتبعها.
جهود تسوية الأزمة
انتقلت الدراسة في محور آخر إلى جهود تسوية الأزمة، إذ لفتت إلى أنه قد كانت هناك العديد من الجهود الدولية والإقليمية لتسوية الأزمة السياسية الليبية، غير أنها جميعها لم تفلح في تحقيق ما كانت تصبو إليه.
ولذلك تجددت مرة أخرى المبادرات الرامية إلى وضع إطار يعجّل بتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في الداخل الليبي، وفق الدراسة التي بعض نماذجها، مثل اجتماع الأطراف الليبية بمبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط في مارس/آذار 2024.
الدراسة تقول إن مخرجات هذا الاجتماع كانت أكثر مما هو متوقع، كما عبر عن ذلك السيد أحمد أبوالغيط، إذ أكد الأطراف في هذا الاجتماع على سيادة ليبيا ووحدة أراضيها ورفض أي تدخل أجنبي في شؤونها، وتوحيد المناصب السيادية بما يخدم الليبيين، وعقد جولة ثانية بشكل عاجل لتنفيذ ما تم التوصل إليه، وغبرها من المخرجات المهمة.
ومن ناحية أخرى، تنوه الدراسة إلى أن الأطراف السياسية الليبية تعكف على تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة منذ عام 2021، التي أعلن عن مشروعها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، وعلى إثر ذلك تم إنشاء المفوضية الوطنية العليا للمصالحة في أبريل/نيسان 2022.
ودور تلك المفوضية تمهيد الطريق للمصالحة، من خلال العمل على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، ثم تشكلت لجنة تحضيرية لمؤتمر المصالحة المزمع عقده في 28 أبريل/نيسان الجاري، وسط اهتمام أممي ودولي كبير.
وتؤكد الدراسة أن هناك بوادر حقيقية لانفراج الأزمة السياسية والأمنية في ليبيا، في إطار الدعوة إلى المصالحة الليبية الشاملة والدائمة، تلك المصالحة التي تحظى بدعم كبير من أطراف الأزمة السياسية.
وتلفت الدراسة إلى أهمية تشكيل حكومة موحدة جديدة، موضحة أنها الخطوة الأولية نحو تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، والأخيرة تتطلب تسوية الصراع الحالي بين حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وما يسمى "حكومة الاستقرار الوطني" برئاسة أسامة حماد المدعوم من البرلمان.
aXA6IDMuMTM5LjIzNS4xNzcg جزيرة ام اند امز