حُكمِ على أوجلان بعقوبة الإعدام نتيجة الاتهامات التي وجهتها أنقرة له وفي مقدمتها "الخيانة العظمى"
لم تتمكن السلطات التركية من اعتقال أيٍ من قادةِ حزب العُمال الكردستاني المحظور في البلاد منذ نشوئه قبل عقود سوى عبدالله أوجلان زعيم الحزب الّذي استطاعت أنقرة اختطافه خارج حدودها في عملية أمنية في غاية التعقيد نهاية تسعينيات القرن الماضي، لكن ماذا حصل بعد ذلك؟
ليست المشكلة لدى الأكراد ولا حزب عمالهم أو شعوبهم الديمقراطي، المشكلة الحقيقية تكمن في ذهنية أردوغان وذهنية الحكومة التركية التي لم تتغير منذ نشوئها، وهي باستمرار لا تقبل الآخر المختلف عنها وتطالب بتركه دوماً، لذلك من الآن وصاعداً يجب أن تكون كل الانتقادات موجهة لهذه الذهنية، لا للأكراد وحدهم
حُكمِ على أوجلان بعقوبة الإعدام نتيجة الاتهامات التي وجهتها أنقرة له وفي مقدمتها "الخيانة العظمى"، لكنها بعد ذلك خففت هذه العقوبة إلى السجن المؤبد نتيجة رغبتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في حين واصلت أنقرة كذلك عملياتها العسكرية ضد الحزب الّذي يخوض تمرداً مسلحاً ضدها منذ العام 1984.
وبحسب إحصائياتٍ غير رسمية، فإن أكثر من 40 ألفاً فقدوا حياته نتيجة المواجهات العسكرية بين الطرفين، بينما دُمِرت مئات القرى والبلدات الكردية جنوب شرقي البلاد وتمّ تشريد أهلها، ويمكننا اليوم مشاهدة عشرات الأحياء الكردية في إسطنبول وأنقرة التي يقطنها مئات الآلاف من الأكراد الفارين من مدنهم وبلدانهم وقراهم، كما أن محاولات الجيش التركي كلها بالقضاء على حزب العُمال الكردستاني قد باءت بالفشل.
ورغم تعنّت أنقرة لسنوات ورفضها إجراء أي مفاوضاتٍ مباشرة مع زعيم الحزب المعتقل في جزيرة إيمرالي، إلا أنها بعد اعتقاله لسنوات، قررت خوض هذه التجربة، لكن كلّ تلك المفاوضات لم تؤدِ لنتائجِ مثمرة للطرفين، لا أنقرة ولا العمال الكردستاني، وبالتالي عاد الطرفان لنقطة الصفر ومن ثم اندلعت المواجهات العسكرية بينهما مرة أخرى من جديد.
ومنذ نشوء الحزب أواخر سبعينيات القرن الماضي، لم تتوقف مجازر الجيش التركي ضد الأكراد في قراهم ومدنهم وبلداتهم، وصارت تركيا تقتل أي كردي بذريعة الانتماء لهذا الحزب الّذي تعتبره أنقرة "إرهابياً" مع حلفائها الغربيين والأمريكيين، وليس صحيحاً على الإطلاق أنها تحارب العمال الكردستاني فقط، والوقائع التاريخية كلها تشير لحدوث مجازرٍ ارتكبها الجيش التركي ضد الأكراد والأرمن، فقد قادت أنقرة حملات الإبادة ضد هذه الشعوب منذ نشوء كيانهم على أجزاءٍ من أرضهم.
ويمكن هنا أيضاً تقديم أدلة أخرى دامغة للغاية تثبت بالدليل القاطع أن أنقرة لا تحارب العمال الكردستاني فقط، بل كل الأكراد وحلفائهم داخل تركيا وخارجها أيضاً، وهناك مقولة شهيرة للأديب الكردي التركي موسى عنتر الّذي اغتالته السلطات التركية عام 1992 يقول فيها "إذا كانت لغتي الأم تهدد وجودكَ، فهذا يعني أنك قد بنيت دولتك على أرضي"، في إشارة منه لمنع تداول اللغة الكردية في تركيا. لذلك تمنع أنقرة حتى تداول واستخدام كلمة "كُردستان".
يُضاف لما سبق دخول حزب "الشعوب الديمقراطي" التركي، الموالي للأكراد إلى برلمان البلاد لأول مرة منذ سنوات، وهذا الحزب خليط من الأرمن والسريان والعلويين والعرب والأتراك إلى جانب أغلبية كردية، وهو حزب سياسي مدني غير عسكري معترف به في البلاد ولديه مقاعد في برلمان تركيا، لكن رغم ذلك يُعتقل نوابه الّذين يتمتعون بحصانة نيابية بشكلٍ عشوائي وتعسفي. ثم أن رؤساء بلديات البلاد الّذين ينتمون لهذا الحزب يطردون من وظائفهم كما حصل الأسبوع الماضي وتعيّن الدولة وكلاء من الحزب الّذي يقوده أردوغان بدلاً منهم والتهمة هي ذاتها "لديهم صلات بحزب العمال الكردستاني".
لقد باتت أنقرة اليوم ترى في كلّ كردي، عضواً في حزب العمال الكردستاني، وترى كذلك قتله واعتقاله واختطافه واجباً، ليس كما يجري داخل تركيا، بل كذلك خارج حدودها أيضاً، وجميعنا نرى المشاهد اليومية لما يحدث في شمال شرق سوريا بعد الهجوم التركي عليها برفقة جهاديين سوريين موالين له.
ولا تستهدف حرب أنقرة على الأكراد بذريعة العمال الكردستاني، الأكراد وحدهم، بل يضاف لهم السريان، وها هو الجيش التركي يحاول السيطرة منذ أسابيع على بلدة تل تمر السورية التي تمتاز بخصوصية سريانية آشورية ومسيحية. إن هذا الجيش قد يكرر مجازر العثمانيين ضد سكانها كما فعلوا مع أجدادهم عام 1915 فيما لو لم يتحرك المجتمع الدولي لحمايتهم.
ومن الضروري أمام معاداة أنقرة للأكراد ولحزب عمالهم الكردستاني، أن نكرر مرة أخرى، إن الأكراد حاولوا الحصول على حقوقهم المشروعة بوسائل عسكرية كما فعل حزب العمال الكردستاني والثورات الكردية المسلحة قبل تأسيس هذا الحزب لا تعد ولا تحصى، لكن أنقرة قضت عليها بقوة السلاح.
ومنذ سنوات ليست ببعيدة، يحاول الأكراد الحصول على حقوقهم بوسائل سلمية ديمقراطية كما هو الحال لدى حزب الشعوب الديمقراطي التعددي الّذي يضم في صفوفه مختلف أقليات تركيا، لكن هذه المرة تُرفع الحصانات النيابية عن الأكراد في البرلمان مع حلفائهم، وتُغلق وسائل إعلامهم، ويزّج قادة أحزابهم السلميين في السجون، حيث يقبع صلاح الدين دميرتاش وفيغان يوكسك داغ، الرئيسان المشتركان السابقان لحزب الشعوب الديمقراطي مع الآلاف من أنصاره في السجون التركية، بالإضافة لصحافيين أكراد وموالين لهم يقبعون أيضاً في السجون.
خلاصة القول، ليست المشكلة لدى الأكراد ولا حزب عمالهم أو شعوبهم الديمقراطي، المشكلة الحقيقية تكمن في ذهنية أردوغان وذهنية الحكومة التركية التي لم تتغير منذ نشوئها، وهي باستمرار لا تقبل الآخر المختلف عنها وتطالب بتريكه دوماً، لذلك من الآن وصاعداً يجب أن تكون كل الانتقادات موجهة لهذه الذهنية، لا للأكراد وحدهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة