استخدمت تركيا ورئيسها أردوغان ورقة تنظيم "داعش" الإرهابي ضد الأكراد، وسهلت مرور عناصره إلى سوريا مرورا بمطاراتها ومعابرها البرية
منذ يوم التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي والمعارضة السورية تصرخ على الشاشات وبقية وسائل الإعلام، وهي تسأل: لماذا يتحالف الأكراد مع الحكومة السورية وحليفتها موسكو؟ لكن حتى هذا السؤال الذي توجهه شخصيات المعارضة للأكراد وحلفائهم المحليين من العرب والسريان والأرمن في الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية، يمثّل خطاباً عنصرياً ضدهم، ذلك أنه لم يكن ممكناً على الإطلاق دخول الجيش السوري إلى مناطق الأكراد لولا هجوم "الجيش المحمدي" على مناطقهم تحقيقاً لرغبة هذه المعارضة.
لقد أسهمت المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً بتنفيذ كامل مخططات أنقرة داخل سوريا، من خلال فصائلها الموالية لها وللإخوان المسلمين، بالإضافة لاستخدامها مع أنقرة ورقتي "النصرة" و"داعش" ضد الأكراد، ومن ثم محاصرتهم من كل الجهات، حتى لم يتركوا أمامهم أي خيارٍ لهم سوى اللجوء للأسد وموسكو
هذه أولاً، ثم إن المعارضة العميلة لتركيا وليست "الحليفة" لها خسرت أوراقها كلها في محاربة الأكراد ومشروعهم التعددي العابر للقوميات والطوائف، فقد فشلت هذه المعارضة من السيطرة على مدينتي تل أبيض/كري سبي ورأس العين/سري كانييه قبل أعوام بعد تلّقي جناحها العسكري دعماً كبيراً من تركيا، ورغم ذلك فشلت كل محاولاتها بالسيطرة على المدينتين، رغم تلقيها أيضاً مساعدات عسكرية ولوجستية كبيرة من أنقرة وجماعة "الإخوان" الإرهابية.
ومن ثم استخدمت تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان ورقة تنظيم "داعش" الإرهابي ضد الأكراد، ولم تقتصر مساعدة تركيا للتنظيم المتطرّف على تسهيل مرور عناصره للدخول إلى سوريا مروراً بمطاراتها ومعابرها البرية مع المدن الكردية في سوريا، بل تعمّدت إلى تسهيل خروج ودخول عناصر التنظيم المحليين من السوريين إلى أراضيها، وكان بالفعل يقيم بعض قادة التنظيم على الأراضي التركية وتحديداً في بعض المدن الحدودية مثل شانلي أورفا وهاتاي وغازي عينتاب وغيرها من المدن.
خلال هذه الفترة، كان التنظيم الأكثر دموية ووحشية في العالم يسيطر على مئات الكيلومترات من الحدود السورية مع تركيا، ولم تكن أنقرة غاضبة من وجودهم هناك، بل كان عناصر التنظيم الذين أصيبوا بجروح خلال معاركهم مع "وحدات حماية الشعب" الكردية يتلقون آنذاك العلاج في المشافي التركية، حتى أن الجيش التركي قدم مساعدات عسكرية لهم أثناء هجوم التنظيم على مدينة كوباني الكردية السورية منتصف سبتمبر/أيلول من عام 2014، وهو الأمر الذي أكده صحفيو جريدة "جمهورييت" التركية والذين فر معظمهم خارج البلاد بعد محاولة أردوغان التخلص منهم، وكان من بينهم رئيس التحرير السابق جان دوندار، الذي نجا من محاولة اغتيال قبل خروجه من تركيا على إثر نشره وثائق تفضح علاقة أنقرة بداعش وجماعات متطرفة في سوريا.
وتدرك المعارضة السورية المسلحة والسياسية والتي في مجملها توالي أنقرة ومعها جماعة "الإخوان المسلمين" ماذا فعلت بالأكراد وحلفائهم المحليين، فقد حاول الطرفان معاً، أي أنقرة والمعارضة، من محاصرتهم، فأرسلوا لهم جهاديي "القاعدة" رفقة مجموعاتهم المسلحة إلى تل أبيض ورأس العين، لكنهم فشلوا، ثم ساعدوا معاً تنظيم "داعش" وفشلوا بالسيطرة حتى على قرية كردية واحدة على الأراضي السورية.
بعد ذلك، تدخل أردوغان مع جيشه بشكلٍ مباشر رفقة عملائه السوريين ممنْ يطلقون على أنفسهم اليوم اسم "الجيش الوطني"، ولم يكن يحملون هذا الاسم حين سيطروا على مدينة جرابلس السورية قبل نحو 3 أعوام، وعلى الرغم من أن الجيش التركي وعملاءه السوريين أعلنوا الانتصار على التنظيم المتطرف في المدينة الحدودية مع تركيا، لم يرَ العالم فيها سجوناً لمعتقلي "داعش" أو جثثاً لقتلاه، حتى أنه قبل يومين قُتل فيها المتحدث باسم التنظيم المتطرف بعد اغتيال زعيمه أبوبكر البغدادي في قرية تسيطر عليها تركيا بالقرب من حدودها. وهذا يكشف أن أنقرة كانت تحمي قادة التنظيم حتى لحظة مقتلهم.
وقد قلت مرة بشكلٍ ساخر إن حرب تركيا على الإرهاب هي أول حرب في العالم سلاحها "شفرات الحلاقة". وكانت هذه الحرب كالتالي: أرسل الجنود الأتراك ثياباً غير تقليدية مع شفرات الحلاقة إلى "الدواعش" في جرابلس وفي اليوم التالي هاجموا المدينة، وانضم إليهم "دواعش" دون لحيةٍ طويلة أو جلبابٍ قصير وقالوا جميعاً معاً لقد انتصرنا!
بعد ذلك بنحو عامين ومع اقتراب قوات سوريا الديمقراطية من القضاء على تنظيم "داعش"، شنّت تركيا مع دواعشها المحررين من جرابلس رفقة عملائها السوريين هجوماً بربرياً على مدينة عفرين الكردية، على الرغم من أن هذه المدينة السورية كانت تستقبل أكثر من 300 ألف نازحٍ قادمٍ من مختلف مناطق البلاد، ولم تتجه منها رصاصة واحدة باتجاه الحدود التركية، ورغم ذلك ارتكبت أنقرة المجازر للسيطرة عليها وتوطين السوريين فيها.
إن ما جرى في عفرين آنذاك يتكرر اليوم في مناطق شرق الفرات ذات الغالبية الكردية، فقد هدد أردوغان باجتياحها منذ عملية القضاء النهائي على تنظيم "داعش"، والتي كانت تقودها قوات سوريا الديمقراطية بدعمٍ من التحالف الدولي وواشنطن، وبالفعل زادت جدّية تهديداته هذه منذ الإعلان النهائي بالقضاء على "داعش".
اليوم ومع دموية أنقرة وجيشها "المحمدي" والذي يرافقه وحوش سوريون يمثلون بالجثث ويصوّرون عمليات الإعدام الميداني بحق المدنيين، الأكراد وحلفاؤهم محاصرون نتيجة مخططات أنقرة ومعها المعارضة السورية التي تسهم في تنفيذها، هؤلاء الناس اليوم بين نارين وليس من خيارات أمامهم بعد الانسحاب الأمريكي سوى أن يستقبلوا الجيش التركي بالورود كما حصل في إدلب أو أن يتفاوضوا مع دمشق وموسكو.
لكن الأكراد وحلفاءهم في قوات سوريا الديمقراطية اختاروا المقاومة والبقاء في أرضهم، ولم تتمكن أنقرة من السيطرة على تل أبيض ورأس العين رغم هجومها البري العنيف مع سلاحها الجوي إلا بعد الهدنة التي توصلت إليها واشنطن مع أنقرة والتي قضت بانسحاب المقاتلين الأكراد وحلفائهم من تلك المناطق، ومن ثم سيطرة أنقرة على المدينتين.
لقد أسهمت المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً بتنفيذ كامل مخططات أنقرة داخل سوريا، من خلال فصائلها الموالية لها وللإخوان المسلمين، بالإضافة لاستخدامها مع أنقرة ورقتي "النصرة" و"داعش" ضد الأكراد، ومن ثم محاصرتهم من كل الجهات، حتى لم يتركوا أمامهم أي خيار لهم سوى اللجوء للأسد وموسكو، ورغم ذلك تسأل هذه المعارضة بشكل عنصري: لماذا يتوجه الأكراد إلى هؤلاء؟ لكن الجواب لديها ولدى مشغليها في دوائر المخابرات التركية وليس لدى الأكراد أو حلفائهم أبداً.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة