إيران تخرب خريطة المناطق المسيحية في العراق بـ"ألغام" الحشد الشعبي
النازحون المسيحيون لم يعودوا بعد إلى منطقتهم إثر سيطرة المليشيات الإيرانية الإرهابية عليها وممارستها عمليات تغيير ديموغرافي منظم.
رفض العودة مع سقوط داعش
أبو ستيف، مواطن مسيحي من سكان مدينة قرقوش "الحمدانية" يعيش منذ 4 سنوات نازحا في مدينة أربيل، كان ينتظر العودة إلى مدينته بعد التحرير، لكنه حاليا يفضل العيش نازحا رغم إنهاء سيطرة داعش.
وقال أبو ستيف، في تصريح خاص لـ"العين الإخبارية"، مفضّلا عدم ذكر اسمه الحقيقي خشية تعرض المليشيات لأقاربه الذين عادوا إلى المدينة: "الأوضاع سيئة جدا، المدينة ما زالت مدمرة ووجود المسيحيين قليل جدا فيها، وحريتنا مسلوبة من قبل هذه المليشيات التي تهين كل من عاد وتعتدي عليهم وتضايقهم وتفرض الإتاوات على التجار وأصحاب المحال وتستولى على منازلنا وتمنعنا من العودة".
وتساءل قائلا: "في ظل هذه الفوضى كيف نعود؟"، مطالبا الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان والمجتمع الدولي بتوفير الحماية للمسيحيين في نينوى.
وتتألف منطقة سهل نينوى من العديد من المدن والبلدات ومن أبرزها قرقوش وبعشيقة وبرطلة وبطنايا وتلكيف وتلسقف وباقوفا، وتخضع جميعها لسيطرة المليشيات الإيرانية المتمثلة بعناصر اللواء ٣٠ التابعة لمسلحي بدر وكتائب بابيلون ووحدات حماية سهل نينوى ومليشيات أخرى، ما عدا بلدتي تلسقف وباقوفا اللتين تسيطر عليهما قوات البيشمركة وتتمتعان بالاستقرار الأمني والاجتماعي وقد عادت الحياة إليهما.
وكشف غزوان إلياس، مسؤول العلاقات في المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري (تكتل سياسي لمجموعة من الأحزاب الكلدانية السريانية الآشورية في العراق) لـ"العين الإخبارية" عن أن أكثر من ٥٠٪ من النازحين المسيحيين لم يعودوا إلى مناطقهم.
وأضاف إلياس أن سيطرة المليشيات على منطقة سهل نينوى خلقت حالة من عدم الثقة لدى أبناء المكون المسيحي؛ الأمر الذي تسبب في بقائهم نازحين، لافتا إلى أن بلدة برطلة ضمن سهل نينوى تُعَد نموذجا على عمليات التغيير الديموغرافي التي تنفذها هذه المليشيات.
وأضح أن أعداد المسيحيين في المدينة قبل سيطرة داعش كانت أكثر من ٦٠٪ لكنها الآن لا تتجاوز ٢٥٪، معربا عن شكوكه بوجود خطة ممنهجة للسيطرة على المنطقة وإبعاد المسيحيين عن أرضهم التاريخية.
وتسيطر المليشيات الإيرانية على الملف الأمني بالكامل في محافظة نينوى وتحاول زعزعة الاستقرار فيها كي تمنع عودة سكانها إليها مستقبلا، وقد خلقت هذه المليشيات حالة من عدم التوازن بين مكونات المنطقة؛ حيث نقلت الآلاف من الشيعة من مدن العراق الأخرى إلى محافظة نينوى وبدأت بتوطينهم فيها.
وطلب إلياس من الحكومة العراقية تفعيل قرار مجلس الوزراء الذي ينص على استحداث محافظات جديدة في العراق، مضيفا القول: "سهل نينوى تستحق أن تكون محافظة؛ فمساحتها واسعة وهي الأرض التي لنا فيها وجود تاريخي وقومي وديني مميز بالتعايش مع المكونات الأخرى".
زمام الملف الأمني.. حائر
قبل سيطرة داعش على الموصل عام ٢٠١٤، كانت قوات حراسات سهل نينوى، وهي قوات نظامية تابعة لوزارة البيشمركة يبلغ قوامها ٣ آلاف مسلح من المسيحيين، تمسك الأرض وتمكنت أن تحافظ على الاستقرار الأمني فيها بالتنسيق مع البيشمركة والجيش العراقي.
وتلقت قوات الحراسات خلال الحرب ضد داعش تدريبات عسكرية مكثفة على يد القوات الأمريكية والكندية، وشاركت في الحرب ضد التنظيم في جبهة تلسقف وفي المناطق الأخرى، لكن المليشيات الإيرانية بعد سيطرتها على الموصل أبعدت هذه القوات.
ويطالب المسيحيون بعودة هذه القوات لمسك زمام الملف الأمني في مدنهم وبلداتهم؛ لأن مقاتليها من سكان المنطقة لديهم خبرة بكيفية التعامل مع ملفها الأمني كي تعود الحياة وتبدأ عملية إعادة إعمارها وتوفير الخدمات الرئيسية لها.
من جهته، أعلن منسق التوصيات الدولية في حكومة إقليم كردستان، ديندار زيباري، أن مليشيات الحشد الشعبي تنفذ عمليات تغيير ديموغرافي في مناطق الإيزيديين والمسيحيين في محافظة نينوى.
وقال زيباري، في بيان، إن ٨٥٪ من سكان محافظة نينوى النازحين ليسوا على استعداد للعودة إلى مناطقهم، لاعتقادهم بأن حياتهم لن تكون محمية ولديهم مخاوف من عدم توافر الخدمات الأساسية وفرص العمل فضلا عن الوضع الأمني.
وأكد أن بلدتي تلكيف والحمدانية أصبحتا مناطق عسكرية تحوي محاكم وسجونا، مشيرا إلى وجود أعداد كبيرة من المليشيات في مناطق الأقليات، داعيا إلى تسليم الملف الأمني في سهل نينوى للقوات النظامية كالشرطة والجيش العراقي والبيشمركة لممارسة دور جدي في إعادة بناء الوضع الأمني في هذه المنطقة.
وبحسب إحصائيات رسمية بلغ أعداد المسيحيين في العراق قبل عام ٢٠٠٣ نحو مليون ونصف المليون، وانخفض إلى نحو ٧٥٠ ألف نسمة بين ٢٠٠٣ و٢٠١٤ الذي سيطر فيه داعش على مساحات واسعة من العراق ومن بينها الموصل، أما العدد الحالي فلا يتجاوز ٣٠٠ ألف نسمة، يعيش غالبيتهم في مدن إقليم كردستان كنازحين، فيما غادرت أعداد كبيرة من العائلات من البلاد.