اعتقال أوس الخفاجي يكشف احتدام الصراع بين أذرع إيران في العراق
الانتقادات التي وجهها الخفاجي لإيران وكشفه تورط الحشد الشعبي في الإرهاب أدتا إلى اعتقاله وغلق مقار المليشيا التي يتزعمها.
قرر أوس الخفاجي، قائد مليشيا "أبي فضل العباس" المنضوية تحت مظلة مليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران، التغريد خارج المحور الإيراني وكشف معلومات عن العمليات الإرهابية التي تنفذها إيران وأذرعها في العراق، في سابقة تؤكد عمق الخلافات بين أتباع نظام ولي الفقيه ومحاولات غالبيتهم التخلي عنه بعد اشتداد الضغوطات الإقليمية والأمريكية على نظام طهران.
الانتقادات التي وجهها الخفاجي لإيران ونفوذها في العراق وكشفه تورط مليشيات الحشد الشعبي في العمليات الإرهابية، أسفرت عن انتهاء شهر العسل بين الخفاجي ونظام طهران فتعرض للاعتقال على يد مجموعة مسلحة مكونة من مليشيات العصائب وحزب الله والنجباء المعروفة بارتباطها المباشر بالمرشد الإيراني علي خامنئي، في 7 فبراير/شباط الحالي، وإغلاق مقرات مليشيا أبي فضل العباس التي يتزعمها الخفاجي واعتبارها خارجة عن الحشد الشعبي.
وبعد اعتقال دام أكثر من 24 ساعة أفرجت المليشيات عن الخفاجي لكن بعد تعرضه للتعذيب الشديد وتوقيعه تعهداً بعدم المساس بإيران ومليشياتها مجدداً، بحسب أحد شيوخ عشيرة الخفاجة التي ينتمي إليها أوس الخفاجي.
وكان الخفاجي أحد مؤسسي مليشيا جيش المهدي الجناح العسكري السابق للتيار الصدري، وشارك في العمليات المسلحة لهذا الجيش ضد القوات الأمريكية وقوات التحالف الأخرى في بغداد ومدن جنوب العراق.
وأعلن عن تأسيس منظمة فيحاء الصدر في الناصرية لكنه بعد إعلان الصدر تجميد جيش المهدي عام 2007، أكد أن منظمته غير مشمولة بقرار التجميد، وفي عام 2008 عيّنه الصدر قائداً لمليشيا "اليوم الموعود" التي حلت محل جيش المهدي بعد توقيع العراق الاتفاقية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم أعلن التيار الصدري تجميد الخفاجي لمدة عام كامل ومنعه من ممارسة أي نشاطات سياسية، وقرر التيار في عام 2015 تجميد مليشيا "اليوم الموعود" أيضاً.
ولم يرضخ لكن الخفاجي لقرار التيار وشكّل مليشيا لواء أبي فضل العباس وانتقل إلى سوريا بأوامر مباشرة من الإرهابي قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الجناح الخارجي لمليشيا الحرس الثوري الإيرانية الإرهابية، وبعد سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على الموصل ومناطق واسعة من العراق عام 2014، شكّل الخفاجي مليشيا أبي فضل العباس ضمن مليشيات الحشد الشعبي تنفيذاً لأوامر إيران، وشارك في معارك الفلوجة والأنبار وصلاح الدين وحزام بغداد والموصل، وعرف بتوجهاته الطائفية، واتهمت مليشياته كباقي مليشيات الحشد الشعبي الأخرى بتنفيذ مجازر وعمليات إبادة جماعية ضد المدنيين العرب السنة.
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول من عام 2017 بعد إعلان العراق تحرير جميع أراضيه من داعش، أعلن الخفاجي وضع مليشيا أبي الفضل العباس تحت سلطة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، والخضوع لأوامر القائد العام للقوات المسلحة، فأصبحت قواته ضمن هيئة الحشد الشعبي.
وخلال العامين الماضيين كانت الخلافات بين أوس الخفاجي والإرهابيين قيس الخزعلي، أمين عام مليشيات عصائب أهل الحق، وأبومهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي زعيم كتائب حزب الله العراق، وأكرم الكعبي، الأمين العام لمليشيات النجباء، تكبر يوماً بعد يوم حول عمليات تهريب النفط والأموال والسيطرة على المناصب في جنوب العراق، وفي بغداد والاستيلاء على الأراضي في المناطق المحررة من داعش.
الانقسام في صفوف الحشد الشعبي الذي انقسم إلى شق تابع لخامنئي ويشمل غالبية المليشيات خصوصاً المليشيات الكبيرة كالعصائب وحزب الله والنجباء وبدر والخراساني وسيد الشهداء وكتائب الإمام علي، وشق تابع لمرجعية النجف والمقربة من مقتدى الصدر، وهي مليشيا سرايا السلام وأبي فضل العباس.
ويؤكد مراقبون أن اشتداد الضغوطات الأمريكية على النظام الإيراني وعزم واشنطن القضاء على نفوذ إيران في العراق دفعت بعدد من حلفاء إيران من قادة المليشيات والأحزاب في العراق إلى ترك المحور الإيراني والانسحاب منه خشية تعرضهم لضربات أمريكية مفاجئة، وهرباً من المواجهة مع واشنطن، الأمر الذي دفع بالنظام الإيراني إلى معاقبة هذه المليشيات والأحزاب التي تخلت عنه بطرق مختلفة.
وبدأ فيلق القدس وبالتنسيق مع المليشيات العراقية التابعة له بتنفيذ عمليات اغتيال واعتقالات في صفوف قادة مليشيات الحشد الشعبي المقربة من حوزة النجف منذ بداية العام الماضي 2018، وكانت من أبرزها اغتيال قاسم الزبيدي القيادي البارز في مليشيات الحشد الذي كان مسؤولاً عن مالية الحشد الشعبي من قبل مسلحين في منزله في بغداد نهاية أبريل/نيسان من العام الماضي، بعد معلومات أشارت إلى كشفه تورط قادة الحشد الشعبي في نهب الأموال وملفات فساد كبيرة.
ولم تكن عملية اعتقال أوس الخفاجي أولى علامات الانشقاق بين مليشيات إيران، فقد سبقتها أزمات أخرى وصراعات بين قادة هذه المليشيات التي تنبع من الصراعات على الاستيلاء على العقارات والأراضي والقصور الرئاسية في منطقة الجادرية وسط بغداد.
أبرز هذه الصراعات المناوشات الكلامية بين تيار الحكمة والعصائب التي نشبت بداية يناير/كانون الثاني الماضي، بعد أن أعلنت فضائية الفرات التابعة لعمار الحكيم أن العصائب هي التي قتلت صاحب مطعم الليمونة في بغداد، وتلاها رد من قيس الخزعلي على تيار الحكمة ومن ثم تطورت المناوشات لحد فضح الجهتين أحدهما الآخر؛ حيث كشف أتباع تيار الحكمة عن سرقة العصائب لمصفى بيجي في محافظة صلاح الدين، ونقل جميع أجزاء المصفى إلى إيران بينما ردت العصائب باتهام زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم بالاتجار بالنساء، واستمرت المناوشات التي كادت أن تتحول إلى اشتباكات مسلحة في منطقة الجادرية بين الجانبين لولا تدخل إيران عبر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، لحل الخلافات بين الحكيم والخزعلي.