في قمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وضع وصفته الحضارية على الجرح العربي الذي ما زال في غالبه الأعم ينزف تخلفاً
في قمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وضع وصفته الحضارية على الجرح العربي الذي ما زال في غالبه الأعم ينزف تخلفاً، بدل أن يمد للعالم حضارة ورقياً كما كان ذلك منه بعد أن حلّ الإسلام عليه ليحيل تفرق العرب تجمعاً وتوحداً وجاهليتهم علماً وحضارة للعالمين وليس للمسلمين فقط.
هذا البعد الحضاري المفقود اليوم في العالم العربي هو الذي سماه بوراشد بمجرى النهر الذي إذا لم تنتهز فرصة الإمساك به فلن يعود أبداً، وهذا ما أشار إليه «ديورانت» عالم الحضارات ومحللها عبر الزمن، وهو توافق فكري في هذا الزمن الذي تعد الحكمة فيه والرأي المستنير والحصول عليهما كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، ولكن لم يعجز بوراشد عن اصطيادهما في هذا الزمن المأزوم.
البعد الحضاري المفقود في المشروع العربي للنهضة، وقد أطفأ «الربيع العربي» كل أنوار عصر التنوير الذي حلم به الأوائل من قبل قرن من زمن مضى، ولم تتحقق في العالم العربي أنوار باريس التي جرَّت وراءها أميركا وجعلتها في مقدمة العالم وعلى رأسه فرنسا ذاتها.
وصفة بوراشد للعالم العربي تدعو الجميع للتفكير عالمياً وعدم التقوقع في الذات مع الحرص على الحفاظ عليها، ولكن ليس على غرار السوق العربية المشتركة، الحلم الذي مضى عليه أكثر من نصف قرن، وعلى العرب التوقف عن الاستمرار في ذلك الحلم، فنحن أبناء 2017، بل أبعد، فلنخرج من حلم السبعينيات إلى عالم مُسَرِّعات المستقبل فكراً وحضارة، وإلا فالنتيجة أن نُقبر في تخلفنا ولن يخرجنا من تلك الحالة إلا إذا بدأنا بأنفسنا.
عودة إلى ما ذكره بوراشد قبل اثني عشر عاماً في مقولته المشهورة والمدوية: «إن لم تَتَغَيَّروا تُغَيَّروا».. هذا حديث القلب الصادق في العام 2005 ولم يجد له في العالم العربي صدى، حتى العام 2011 حلّت الكارثة «الربيعية» ابتداء من تونس بعد حادثة الحرق الفردي، وجرَّت تلك الحالة غير الطبيعية الثائرة إلى حرق قرابة ثُلث العالم العربي الذي تغير بشكل فوضوي سمّته كوندوليزا رايس بالفوضى «الخلاقة»، وهي في الواقع «حرّاقة»، لقد أحرقت أمل النهوض من جديد.. وانضم إلى هذه المحرقة، من سماهم بوراشد، أصحاب«نصف المعرفة»، وقد أدخلوا الإسلام السمح إلى مد الحريق الساحق باسم الدين والطائفية واللعب على معادلة السُّنة والشيعة التي أضافت إلى المحرقة القائمة وقوداً فاسداً ترفع من درجة وصول النيران إلى من لا ناقة له ولا جمل في هذه المعركة الطائفية الخاسرة منذ البداية، ولا نحتاج الانتظار حتى النهاية لأنها إن استمرت كما هي فهي بلا نهاية سارة، ولا انتصار لأي فئة في الأفق المبين.
وفي تواضع بوراشد الجم أنه لم يفرض وصفته الحضارية على أي دولة عربية، بل قدمها فكراً مستنيراً يُتحاور حوله ليس إلا، لأنه يؤمن بأن لكل دولة عربية ظروفها الخاصة وأسبابها المقدرة للتعامل مع مثل هذه الوصفة حتى وإن كان في جوهرها إنقاذ لما تبقى من خيرية العرب في حضارتهم التي تشهد لها آفاق أوروبا، وقد استقت من هذا النبع الكثير مما تعتمد عليه الحضارة المعاصرة من نظريات واختراعات وابتكارات من وحي الماضي، إلا أن آثارها بادية وعلى رأسها ثورة تكنولوجيا المعلومات التي اعتمدت بشكل رئيسي على لوغاريتمات الخوارزمي.. ترى كم ضيع العرب من أصالة الحضارة لديهم وقد قام الغرب بكل فئاته باستمرار في تكملة المشوار الحضاري الذي يعالج البعد الإنساني للعالم، بعيداً عن كل الحمولات الدينية والعرقية وهو البعد الثالث المفقود في زمن العرب الصعب، وهذه عبقرية بوراشد في دعوته الصادقة لاستئناف الحضارة العربية للنهوض ولا غير.
* نقلاً عن " الاتحاد "
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة