كل قرارات الأمم المتحدة حول القضية السورية أكدت أن السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل بلدهم ويختارون الحل الذي يريدونه لمحنتهم
كل قرارات الأمم المتحدة حول القضية السورية أكدت أن السوريين وحدهم هم من يقررون مستقبل بلدهم ويختارون الحل الذي يريدونه لمحنتهم، ولكن مجريات ما يحدث تؤكد أن السوريين على رغم كل ما دفعوه ثمناً باهظاً للحرية، اغتصبت حريتهم في اتخاذ أي قرار حول مستقبلهم، فإسرائيل هي التي ترسم الخطة، وروسيا تتحرك في الفضاء، والولايات المتحدة في الخفاء، وإيران تعيث في الأرض فساداً، والأمة العربية المنكوبة تتفرج على الخطر القادم معصوبة العينين غارقة في مستنقعات دماء أبنائها. وأما أوروبا التي تدفق إليها المهاجرون واللاجئون فقد باتت محاصرة بين جنون العظمة والتوسع الروسي، وبين اضطراب السياسة الأميركية التي شعرت بأنها فقدت مكانها القيادي للعالم في عهد أوباما، وبين خطر انهيار الاتحاد الأوروبي كله، وكانت بريطانيا أول من غادره.
وأما النظام السوري الذي تحصن ضد ثورة شعبه كي لا يفقد كرسي الحكم، فقد فضل أن يسلم كرسي حكم سوريا لروسيا وإيران على أن يلبي مطالب الشعب في الحرية والكرامة. وأما الثوار الذين تعرضوا للمذابح والإبادة والتدمير والتهجير فقد وجدوا أنفسهم محاصرين من كل حدب وصوب، وصار همهم إنقاذ ما تبقى من سوريا وليس تحقيق الأهداف التي خرجوا من أجلها، وباتت المعارضة السياسية الوطنية تتعلق ببيان جنيف لعام 2012، وبالقرارات الدولية التي صدرت عن مجلس الأمن، فلا تلقى استجابة حتى من روسيا التي صاغت هذه القرارات التي قبلت بها الثورة حين تداعت عليها الأمم.
وقد تمكنت روسيا من أن تقبض على الملف السوري، وأن تتحكم وحدها بمصير السوريين، وهي تقول لهم «لسنا متمسكين بالأسد، ولكن لا يوجد له بديل»! وتصر أطراف على أن يكون الهدف الوحيد الذي تحققه الثورة السورية هو تجديد البيعة للأسد إلى الأبد، وتفكيك سوريا اجتماعياً وعرقياً ودينياً، وتحويلها إلى كيانات مبنية على الأحقاد التي ستتوارثها الأجيال، وهي تعلم أن بقاء الأسد حاكماً يعني بقاء السوريين المهجرين والنازحين مشردين خارج وطنهم، فلن يجرؤ أحد منهم على العودة لأنه يعلم أن المصالحات الوهمية لن توفر له أماناً.
ولقد فوجئت بتصريحات دي مستورا الأخيرة التي تحدث فيها عن خطته لبحث قضية الدستور والانتخابات في جولة المفاوضات المقبلة في جنيف، مستبعداً الحديث عن الانتقال السياسي الذي هو جوهر القضية، وهو بذلك يلبي إرادة روسيا التي فصّلت دستوراً للسوريين نيابة عنهم، وتريد أن تفرض الأسد عليهم بفخ الانتخابات وهي تعلم أن الأسد سيكون الفائز الوحيد، فلا أحد في الداخل السوري يجرؤ على منافسته وهو يملك كل القوى العسكرية والأمنية وتسنده قوى روسيا وإيران والميليشيات في الداخل! ولو اجتمعت قوى الأرض كلها لتجعل الانتخابات نزيهة وشفافة، فالسوري المحاصر في الداخل يعرف شمس بلاده، كما يقال. وأما السوريون المشردون في الخارج، وقد باتوا مبعثرين في شتات الأرض، فسيكون من الصعب ضمان مشاركتهم في الانتخابات، وأما المعارضة فلن تتمكن مهما توحدت قواها أن تجتمع على مرشح واحد منافس، ولا يستطيع أحد أن يمنع المئات من عشاق الشهرة والظهور من أن يرشحوا أنفسهم، وبهذا تضيع أصوات المعارضة، وهذا ما تراهن عليه روسيا في فخ الانتخابات.
وأما بحث موضوع الدستور قبل الوصول إلى رؤية الحل السياسي، فسيكون مثل اختلاف رجل وامرأة حول تسمية طفلهما القادم قبل أن يتفقا على الزواج.
لقد أعلنا في الرؤية التي قدمتها الهيئة العليا للمفاوضات أن هيئة الحكم بعد الانتقال السياسي تضع إعلاناً دستورياً مؤقتاً، وبعد انتخاب هيئة تأسيسية من مؤتمر وطني عام يتم وضع مسودة دستور، ولم يكن للشعب اعتراض على الدستور السوري سوى في بضع مواد كانت تضع السلطة كلها بيد (الحزب القائد) وتحصر الترشيح لرئاسة الجمهورية في قيادة الحزب، أما بقية مواد الدستور فلم يكن عليها اعتراض شعبي على الغالب.
ولكم تمنيت لو أن النظام يجعل إنقاذ سوريا أولاً، ولاسيما أن المعارضة تقبل بالتشاركية الكاملة معه في بناء مستقبل سوريا، وهي لا تختلف مع النظام (نظرياً) في ثوابت الدستور التي تحافظ على وحدة سوريا أرضاً وشعباً ونسيجاً اجتماعياً يعتمد المواطنة ركيزة العقد الاجتماعي، فالثورة الشعبية السورية لم تقم لبناء دولة دينية، وهذا التكاثر في تنظيمات التطرف كان هدفه التغطية والتعمية على مطالب الشعب. ولكي نصل إلى اللحظة الراهنة التي يخير فيها الشعب السوري والعالم معه، بين الأسد والإرهاب، وقد كُلف تنظيم «داعش» وأمثاله بتصفية «الجيش الحر»، وبإرهاب الشعب وبقتل أهل السُّنة بخاصة بتهمة الردة، وتم تهجير الأكثرية السكانية، ولا يخفى على أحد أن «داعش» تنظيم مخابراتي عالمي، ومهمته ستنتهي حين يعلن النظام انتصاره النهائي على شعبه.
*نقلاً عن " الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة