قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع الواردات، ورفعها إلى 50% على بعض الدول، يعكس توجهًا واضحًا نحو الحماية الاقتصادية ومحاولة تقليل العجز التجاري للولايات المتحدة، في إعادة لهيكلة وجه الاقتصاد الأمريكي.
ومع ذلك، فإن هذا القرار يمكن أن يؤدي إلى تصعيد الحرب التجارية العالمية مع أقطاب الاقتصاد العالمي، مثل الصين والهند والاتحاد الأوروبي، التي قد ترد بتعريفات انتقامية، مما يؤدي إلى اضطرابات في التجارة العالمية، ويعزز زيادة الضغوط التضخمية وارتفاع الأسعار على المستهلك الأمريكي نتيجة زيادة تكلفة الواردات، وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، نظرًا لأن التعريفات الجمركية ستعيق التدفقات التجارية والاستثمارية بين الدول.
إذا استمر ترامب في هذا النهج، فمن المتوقع أن تتعمق الانقسامات التجارية، مما قد يؤدي إلى تقلبات في الأسواق المالية واضطرابات اقتصادية، خاصة في الاقتصادات الناشئة التي تعتمد على التصدير.
ودول الخليج ليست بعيدة عن التأثر بهذا القرار، كونها مركزًا إقليميًا اقتصاديًا قويًا يمتلك أكبر الموانئ العالمية للتصدير.
بعض دول الخليج تعتمد بشكل رئيسي على تصدير النفط، وإذا تسببت التعريفات في تباطؤ الاقتصاد العالمي، فقد ينخفض الطلب على النفط، مما يؤدي إلى انخفاض أسعاره، وهذا ما شهدناه خلال الأسبوع الماضي، وبالتالي انخفاض إيرادات الدول الخليجية.
وتعتمد دول الخليج على الاستيراد من الولايات المتحدة، مثل المعدات والسلع التكنولوجية، وبالتالي فإن فرض تعريفات أمريكية قد يؤدي إلى زيادة الأسعار، وإعادة النظر في الاستثمارات الخارجية والأجنبية، مما قد يؤثر على المشاريع المشتركة بين دول الخليج وأمريكا.
مع وجود فرص أقوى لزيادة تعزيز العلاقات التجارية مع غرب وشرق آسيا، فإنه من الممكن أن تبدأ دول الخليج بالبحث عن أسواق بديلة مثل الصين والهند، ما قد يؤدي إلى استمرار تعزيز العلاقات الاقتصادية مع آسيا، وتقليل الاعتماد على أمريكا، كما حصل في الأزمة الاقتصادية في عام 2008.
إن مستويات الوعي الاقتصادي لدول الخليج، والاستفادة من الأزمات والتحديات السابقة، جعل منها ذات بُعد استراتيجي في مواكبة مثل هذه التحديات.
وبالتالي، ستتجدد السياسة الاقتصادية في تعزيز التحالفات الخليجية مع الصين وروسيا؛ فإذا استمرت التوترات التجارية مع الولايات المتحدة، فقد تلجأ دول الخليج إلى تعزيز تعاونها مع الصين وروسيا لتأمين بدائل اقتصادية وتقنية.
وربما ستكون ورقة ضغط من قبل الإدارة الأمريكية، وقد يستخدم ترامب العلاقة التجارية للضغط على دول الخليج في ملفات سياسية مثل أسعار النفط أو الاتفاقيات الدفاعية، في إعادة تقييم العلاقات التجارية مع بعض دول الخليج، مما قد يدفع دول الخليج إلى ردة فعل أخرى من خلال تنويع شركائها التجاريين بدلًا من الاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر رئيسي للاستثمارات والتكنولوجيا، مما سيجعل أمريكا تفكر في بعض الاستثناءات مع بعض الدول الخليجية وتحاول التفاوض للحصول على استثناءات تجارية أو تحسين شروط الاتفاقيات التجارية.
بشكل عام، هذا القرار لن يتسبب في ضرر كبير لدول الخليج اقتصاديًا، وسيكون تأثيره في خفض أسعار النفط وزيادة تكلفة الواردات، لكنه قد يدفعها أيضًا إلى تنويع شركائها التجاريين، مما قد يقلل من نفوذ أمريكا في المنطقة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة