الابتزاز الإلكتروني في العراق.. حكايات نسائية تنتهي بالقتل والفضيحة
بدأت القصة عندما تلقّت "رفل" رسالة عبر "فيسبوك" من شاب يتوسّل إليها الحديث معه تحت دوافع إنسانية لمروره بأزمة نفسيّة.
هكذا يخبرنا مصدر أمني يعمل ضمن دائرة مكافحة جرائم الابتزاز والتحرش الإلكتروني في العراق عن حادثة وقعت في العاصمة بغداد وعاش تفاصيلها طيلة أسبوعين.
يقول المصدر إنَّ الشاب استطاع كسب ود الفتاة التي تبلغ من العمر 20 عاماً وبعد علاقة استمرت نحو عام ونصف العام حدث ما كان يُخشى منه.
بدأت العلاقة بالتحوّل من الكلام المعسول والمشاعر الجيّاشة إلى تهديد بالتشهير ونشر صور فاضحة ما لم تستجب الفتاة لرغباته في إقامة علاقة جنسية معه في مكان قريب من محل سكنها.
ترددت الفتاة كثيراً في إخبار عائلتها لكن شبح الفضيحة والخوف من الاحتمالات التي باتت كوابيس تلاحقها دفعت بها إلى كشف الأمر أمام والدتها التي أخبرت زوجها فيما بعد بتفاصيل ما حصل لابنتهما.
لم يستغرق الأمر طويلاً حتى اتخذت عائلة "رفل" قراراً باللجوء إلى الدوائر الأمنية المختصة لتدارك الفضيحة، وبعد نحو 15 يوماً استطاع قسم جرائم المعلوماتية في وزارة الداخلية الوصول إلى الشاب واعتقاله بالجرم المشهود.
الموضوع لم ينته بعد، إذ أخبرنا المصدر الأمني أنَّ الشاب الذي جرى اعتقاله كان ابن عم الشابة "رفل" وما حدث وقع بدافع الانتقام بعد أن تقدّم لخطبتها قبل 3 أعوام ورُفِض من قبل ذويها.
في حادثة أخرى، سجّل مركز للشرطة المحلية عند ضواحي بغداد الشرقية حادثة انتحار "شنقاً"، لامرأة متزوجة ولديها 3 أطفال، كانت تعاني اضطراباً نفسياً كما زعم زوجها.
وبعد فتح تحقيق بالحادثة من قبل الجهات المختصة، تبيّن أن تلك المرأة لم تنتحر وإنما قُتِلت على يد زوجها بمساعدة شقيق المجني عليها بعد أن وقعت ضحية لابتزاز إلكتروني انتهى بالتقاط صور عارية لها ومقاطع فاضحة.
وتتصدر الشبكات الاجتماعية حالات مشابهة لجرائم ابتزاز إلكتروني غالباً ما يكون ضحاياها من النساء وخصوصاً من هن في سن المراهقة.
وأعلنت الشرطة المجتمعية، الجمعة، وقف عمليات ابتزاز إلكتروني تنفذها طالبة جامعية بحق زميلاتها في الدراسة في بغداد.
وقالت الشرطة المجتمعية في بيان إن مفارزها "تمكنت من إحباط وإيقاف عمليات ابتزاز إلكتروني نفذتها طالبة بحق زميلات لها بسكن داخلي خاص في إحدى الجامعات ببغداد، حيث هددتهن بنشر صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية خاصة بهن مقابل مبالغ ومصوغات ذهبية استولت عليها منهن".
وشكّلت مواقع التواصل الاجتماعي متنفساً رئيسياً للكثير من الأفراد الذين وجدوا فيها فرصة للانعتاق من القيود والتقاليد بحسب الأخصائية الاجتماعية نور هاشم.
وبحسب آخر الإحصائيات المسجلة شبه الرسمية، بلغ عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي نحو 25 مليون مستخدم خلال النصف الأول من العام الحالي، بزيادة 4 ملايين شخص عن عام 2020.
تربط هاشم أسباب وقوع النساء ضحية لجرائم الابتزاز الإلكتروني إلى طبيعة الانغلاق التي تعيشها بعض الأسر العراقية جراء الأعراف والتقاليد القبلية التي تقيّد حرية المرأة وتحصر وجودها بين 4 جدران لا ترى من خلالها سوى الأهل.
وتبين الأخصائية الاجتماعية لـ"العين الإخبارية" أنها اطلعت على حالات عديدة بحكم عملها في المحاكم القضائية، كان فيها الضحايا من النساء المعنفات أو اللواتي يعانين اضطهاداً من قبل الأهل.
ومع هذا لا يعطي ذلك الحق لهن بالتعاطي "السيئ" مع شبكات التواصل الاجتماعي ، وتكوين علاقات غير موثوقة، لكن كما تقول الأخصائية نور هاشم: "على الأسر والأزواج الانتباه جيداً إلى أن سوء التعامل ومصادرة الحقوق قد يدفع إلى مثل تلك النتائج".
وغالباً ما تقع جرائم الابتزاز الإلكتروني تحت دوافع المال بعد استدراج الضحايا حتى الإيقاع بهم تحت أفعال فاضحة مثل الصور ومقاطع الفيديو غير اللائقة أخلاقياً.
وتؤكد هاشم أن الكثير من النساء يعشن مكابدات ذلك دون الإفصاح عنه لذويهن خشية أن يواجهن بالتعنيف والقتل أحياناً.
من جانبه، يقول الخبير القانوني علي سعدون إنّ التحرّش والابتزاز الإلكتروني بات ظاهرة خطيرة تهدد العائلة العراقية والمجتمع بشكل أشمل وحان الوقت لإيجاد المعالجات اللازمة للحد منها.
ويؤكد سعدون لـ"العين الإخبارية" ضرورة أن تجتهد السلطات التشريعية والأمنية معاً بالتعاون مع منظمات إنسانية واجتماعية للخروج بنصوص تطبيقية عملية توفر الحماية من جرائم الشبكة العنكبوتية.
ويضيف: "قانون جرائم المعلوماتية ليس كافياً لمواجهة تلك التحديات.. نحتاج لتضافر جهود الجميع بدءًا من الدولة وصولاً إلى الفرد والعائلة".
بدوره، يؤكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية، خالد المحنا، أن السطات المختصة استعانت بأجهزة فنية متطورة وخبراء لتتبع المبتزين واعتقالهم متلبسين بالجريمة.
ومع هذا لا ينفي المحنا أن الجرائم الإلكترونية ازدادت بشكل كبير في العراق مع الاستخدام الكبير لشبكة الإنترنت والاعتماد العالي عليها من قبل المواطنين حتى بات المجتمع الافتراضي يتقدم على الحياة الواقعية.
ويضيف المحنا أن "أغلب الأشخاص الذين تمَّ ضبطهم متلبسين أحيلوا للمحاكم وحكم عليهم بأحكام طويلة بعضها وصلت لـ 14 سنة و7 سنوات".