«القديسة» داليدا.. محطات صعبة في حياة «بنت شبرا» (بروفايل)
تحل ذكرى ميلاد الفنانة العالمية داليدا، اليوم الأربعاء، ورغم أنها رحلت قبل 37 عاما عن عالمنا فإن اسمها حاضر دائما بفضل أعمالها المميزة.
ولدت داليدا، واسمها الحقيقي يولاند كريستينا جيجليوتي، في العاصمة المصرية القاهرة، تحديدا حي شبرا، يوم 17 يناير/كانون الثاني 1933 لأبوين إيطاليين أحدهما يعمل في المجال الفني.
ظهرت موهبة داليدا الفنية في سن مبكرة، وهو أمر متوقع لفتاة ولدت لموسيقي معروف، فوالدها بياترو Pietro عازف الكمان الرّئيسي في أوبرا القاهرة، وهو الذي شجعها على خوض التجربة؛ ليمنح العالم هدية لا تنسى.
ورغم أنها كانت تملك صوتا قويا وحضورا مبهرا فإن بدايتها الفنية لم تكن في عالم الموسيقى وإنما التمثيل، وهي الخطوة التي سارت إليها بعدما فازت بالمركز الأول في مسابقة ملكة جمال مصر 1954.
وبعد فوزها بلقب ملكة جمال مصر، انهالت عليها العروض للتّمثيل في القاهرة، واكتشفها منتج أفلامٍ فرنسيّ نصحها بتغيير اسمها إلى داليلا Dalila ثم داليدا، ولأن حلمها كان التمثيل في باريس فسافرت إلى هناك رغم معارضة أهلها.
وبعد سنوات باتت داليدا واحدة من أشهر مطربي العالم، إذ سجلت 500 أغنية فرنسية، منها 200 تُرجمت إلى الإيطالية، و200 إلى لغات أخرى، وباعت أكثر من 80 مليون شريط في جميع أنحاء العالم.
محطات وأسرار في حياة داليدا
المحطة الصعبة الأولى كانت عندما تحول الحلم الوردي إلى كابوس بعد وصولها إلى باريس، إذ لم تجد لنفسها مكانا في السينما الفرنسيّة، وأمام صعوبة الموقف قررت ألا تظل عاجزة واتجهت لتعلم الغناء وأخذ دروس لتخلق مساحة لنفسها تشبهها.
ولكونها تتمتع بصوت خارق، سرعان ما تمّ اختيارها لتقديم العروض في الشانزيليزيه ولاحقاً في فيلا ديست، لتعرف فيما بعد بلقب "ثورة الأغنية الفرنسيّة".
مع الوقت اشتهرت "بنت شبرا" في أرجاء فرنسا، وتعرفت على مسؤولين ومنتجين ذوي صيت ساعدوها في طريق الشهرة، من بينهم المدير الفني لإذاعة Europe 1 لوسيان موريس Lucien Morisse والمنتج الموسيقيّ إيدي باركلي Eddy Barclay اللذان أُذهلا بأدائها وقرّرا تبنيها فنيّاً لتنطلق في عالم النجومية.
في حياتها العاطفية كانت هناك العديد من المحطات القاسية التي دمرتها نفسيا، بداية من علاقتها الأولى التي تكللت بالزواج ثم الانفصال السريع.
فلم يجمع لوسيان موريس وداليدا علاقة عمل فقط، إذ بعد فترة أخذت طريقا رومانسيا انتهى بالزواج في باريس يوم 8 أبريل/نيسان 1961، لكن لم تستمر هذه الزيجة طويلا نتيجة عشق زوجها للعمل وعدم منح الحياة الزوجية والحب أهمية كبيرة لينفصلا في غضون عام تقريبا.
ويتردد أن أحد أسباب الانفصال أن داليدا تعرفت خلال إحدى الفعاليات في مدينة كان على جان سوبيسكي Jean Sobieski ووقعت في غرامه من النظرة الأولى، وكان الشعور متبادلا؛ ليكون سببا في انفصالها عن زوجها لوسيان رغم أنهما لم يكملا علاقتهما ولم تتوج بالزواج.
وبعد سنوات من تخطي هاتين العلاقتين، وقعت داليدا في حب شاب غير معروف، وكانت البداية في أكتوبر/تشرين الأوّل عام 1966 عندما قرّرت شركة التّسجيل الإيطاليّة RCA المشاركة في مسابقة للأغاني خلال مهرجان سان ريمو في إيطاليا عبر أغنية اتّفق أن تغنيها داليدا بينما يكتبها ويلحّنها لويجي تانكو Luigi Tanco وهو مُؤلّفٌ شاب لم يكُن مشهورا وقتها.
وخلال العمل على الأغنية اجتمعت داليدا بلويجي عدّة مرّات فوقعا في غرام بعضهما، وعلى المسرح دعته النجمة الشهيرة ليشاركها الغناء وأعلنت أنهما سيتزوّجان في أبريل/نيسان 1967، إلّا أنّ الأمور لم تمرّ كما هو مخطط نتيجة خسارتهما المسابقة وخرجو لويجي عن مشاعره وتخطيه بحق لجنة التّحكيم والتّشكيك بنزاهة الحفل.
الأمور لم تقف عند هذا الحد، إذ أقدم لويجي على الانتحار في غرفته في الفندق ما حطّم داليدا نفسيّاً ودفعها هي أيضاً لمحاولة الانتحار عن طريق الإفراط بتناول الحبوب المنوّمة.
نجت داليدا من محاولة الانتحار الأولى، وبعدما خرجت من غيبوبتها قرّرت بدء حياتها من جديد فلم تعد ترتدي سوى الفساتين البيضاء الطويلة حتى بات جمهورها يناديها بـ"القدّيسة داليدا"، كما انهمكت بالقراءة لا سيّما في مجال الفلسفة وعشقت فرويد، وبدأت بممارسة اليوغا أيضاً.
وظلت هكذا سنوات عديدة حتى أصيبت بصدمات كثيرة بعد سلسلة من الانتحارات لمقربين منها، ففي سبتمبر/أيلول 1970 انتحر زوجها السابق لوسيان موريس الذي ظلت على علاقة جيدة معه رغم لانفصال، بإطلاق النار على رأسه.
وفي أبريل/نيسان 1975، قفز صديقها المقرب المغني مايك برانت من شقة في باريس حتى وفاته، وكان عمره وقتها نحو 28 عامًا.
وفي يوليو/ تموز 1983، انتحر عشيقها ريتشارد شانفري في مكان إقامته بجنوب فرنسا عن طريق استنشاق غاز عادم سيارته؛ لتفقد حماسها المعتاد وتنطفئ ويبدأ الجميع يلاحظ تغيرات جسدية عليها.
وعلى مدار 4 سنوات لم تنجح الفنانة العالمية في تجاوز آلامها، خصوصا أنها كانت تشعر بوحدة لا توصف كونها بقيت من دون زوج أو أطفال، وقررت الانتحار لتتوفى في 2 مايو/أيار أيّار عام 1987 تاركةً للعالم كلماتها الأخيرة: "لم أعد أُطيق الحياة، سامحوني".