المادة المظلمة على الأرض.. أقل وفرة من الذهب وأكثر غموضا

كشف فريق من العلماء عن وسيلة جديدة لرسم خريطة للمادة المظلمة، وهي المادة الغامضة التي تشكل حوالي 85% من الكون، لكنها لا تتفاعل مع الضوء ولا يمكن رؤيتها مباشرة.
وتكمن أهميتها في أنها تُبقي المجرات متماسكة أثناء دورانها، فالمادة المظلمة أكثر شيوعاً في الكون مقارنة بالذهب، ورغم ذلك، يقدّر العلماء أن الكمية الموجودة منها على الأرض أقل من الذهب بكثير.
وطور الفريق العلمي بقيادة الباحثة سوكانيا شاكرابارتي من جامعة ألاباما طريقة جديدة لرصد المادة المظلمة من خلال ملاحظة "ذبذبة" أو "تذبذب" درب التبانة، وهذه الذبذبة تحدث نتيجة تأثير المجرات الصغيرة التي تدور حول مجرتنا، مثل سحابة ماجلان الكبرى، وأيضا نتيجة تأثير النجوم النيوترونية سريعة الدوران المعروفة باسم "النجوم النابضة" أو "البولسارات".
النجوم النابضة.. منارات كونية
النجوم النابضة هي نوع من النجوم النيوترونية التي تتشكل بعد انفجار النجوم العملاقة، وهذه النجوم تمتلك كثافة هائلة ودوران سريع، مما يجعلها تعمل كـ"منارات كونية" تبعث أشعة من الضوء عبر الفضاء، يمكن للعلماء مراقبة هذه النجوم النابضة واستخدامها لقياس تأثيرات الجاذبية في المجرة، وهذا يساعدهم في دراسة توزيع المادة المظلمة.
على سبيل المثال، تخيل أن لديك مصباح يدوي يدور في الظلام وينير جزءا من الغرفة في كل مرة يمر فيها الشعاع، وبنفس الطريقة، تبعث النجوم النابضة أشعة منتظمة، ويسمح تتبع هذه الإشعاعات بدقة للعلماء بقياس التغيرات في تسارعها نتيجة تأثير المادة المظلمة.
اكتشاف غير متوقع
وفي البحث الجديد، اكتشف الفريق أنه يمكن استخدام النجوم النابضة المنفردة، وليس فقط التي توجد في أزواج كما كان الحال سابقًا، لدراسة المادة المظلمة، هذا التقدم يتيح لهم استخدام ضعف عدد النجوم النابضة التي كانوا يستخدمونها في السابق.
وفقًا لشاكرابارتي، هذا الاكتشاف يعتبر طفرة كبيرة، حيث قالت"الآن يمكننا قياس كثافة المادة المظلمة في منطقتنا من المجرة بدقة أكبر من أي وقت مضى"، فعلى سبيل المثال، وجدنا أن هناك أقل من كيلوغرام واحد من المادة المظلمة في حجم يعادل حجم الأرض بالكامل، مما يجعل المادة المظلمة نادرة جداً مقارنة بالذهب، الذي ننتجه بملايين الكيلوغرامات سنوياً.
لماذا تعتبر المادة المظلمة مهمة؟
إذا لم تكن المادة المظلمة موجودة في المجرات، فإن الجاذبية التي تمارسها المادة العادية – مثل النجوم والكواكب – لن تكون كافية للحفاظ على تماسك المجرة أثناء دورانها، لهذا، يعتبر العلماء المادة المظلمة بمثابة "الغراء" الذي يمنع المجرات من الانفصال.
ولشرح هذا الأمر بمثال بسيط، تخيل أنك تدور حول لعبة دوارة، إذا لم يكن هناك أي شيء يمنع اللعبة من التفكك، فإنها ستطير في كل اتجاه، و بنفس الطريقة، تمنع المادة المظلمة المجرات من الانهيار أثناء دورانها.
دراسة التذبذب المجري
وفي أبحاثها السابقة، استخدمت شاكرابارتي نماذج حاسوبية لتوضيح كيف تؤثر المجرات الصغيرة مثل سحابة ماجلان الكبرى على مجرتنا، فعندما تقترب هذه المجرات من درب التبانة، تتسبب في "سحب" أجزاء من المجرة مما يؤدي إلى تذبذبها، وكأن المجرة تسير بشكل غير متوازن، مثل طفل صغير يتعلم المشي.
الآن، مع توفر بيانات جديدة من النجوم النابضة، تمكن الفريق من قياس هذا التأثير لأول مرة.
والبحث ما زال قيد المراجعة العلمية، لكن النتائج الأولى متاحة الآن على موقع الأبحاث (أرخايف).