
توفي البابا فرنسيس، اليوم الاثنين، الذي صادف عيد الفصح. وقد ترك وراءه سيرة روحية نادرة ارتبطت فيها صورته بالبساطة، والرحمة،
كان قلبٍ بابا الفاتيكان مفتوحٍ دائمًا للصغار. وكانوا يرونه قريبًا، ليس فقط لأنه كان ينحني لمستواهم ليبتسم أو يصافحهم، بل لأنه جعلهم شركاء في الحديث، وفي المعنى، وحتى في القرار.
رسائل العالم إلى الطابق العاشر
ولعل أبرز ما يكشف حجم هذا الارتباط، ما حدث قبل أسابيع قليلة فقط، حين نُقل البابا إلى مستشفى "جيملّي" في روما إثر إصابته بالتهاب رئوي مزدوج. حينها، تدفقت آلاف الرسائل من جميع أنحاء العالم إلى جناحه الطبي. كانت معظمها مكتوبة بأيدي أطفال، وتحمل عناوين بسيطة مثل: "البابا، مستشفى جيملّي، روما". ومع ذلك، وصلت كلها.
في مركز الفرز بمطار ليوناردو دا فينشي، تُجمَع الرسائل وتُنقل إلى مركز بيلسيتو في روما، حيث تُفرز بدقة بين خطوط الأطفال العفوية ورموزهم المرسومة بقلوب صغيرة. وصف مدير المركز، أندريا دي توماسو، المشهد بقوله: "ليس من المعتاد أن نفرز هذا الكم من الرسائل الموجهة إلى الأب الأقدس". وقد ارتفع وزن البريد اليومي من 100 إلى 150 كيلوغرامًا، وسط دعوات بالشفاء وعبارات حب خالصة جاءت من أصغر المؤمنين سنًا.
عناق لا يُنسى: طفل فقد والده يسأل عن السماء
في عام 2018، خلال زيارة رعوية لإحدى الأبرشيات، واجه البابا موقفًا إنسانيًا ترك أثرًا عالميًا. تقدم طفل يُدعى إيمانويل لطرح سؤال، لكنه لم يتمكن من الحديث بسبب انفعاله الشديد. اقترب منه البابا، واحتضنه، وطلب منه أن يهمس بما يريد.
سأل الطفل بصوت خافت: "توفي والدي مؤخرًا. لم يكن مؤمنًا، لكنه عمّدنا نحن الأربعة. هل هو في السماء؟"
روى البابا الحكاية للحضور بعد أن حصل على إذن الطفل، ثم نظر إلى الأطفال وسألهم: "هل يترك الله أبناءه؟ هل يتركهم إن كانوا طيبين؟" فردوا بصوت واحد: "لا".
ثم قال: "هذا هو الجواب، يا إيمانويل. إن والدك رجل طيب، وربما كان من الصعب عليه أن يقرر تعميدكم دون أن يكون مؤمنًا. هذا يُسعد الله كثيرًا."
لم يمنح البابا الطفل إجابة جاهزة، بل دعاه للتأمل في قلب الله، وفتح المجال لأقرانه ليكونوا جزءًا من الجواب، في لحظة جسّدت فكر فرنسيس القائم على الاستماع والشراكة الإنسانية.
"عزيزي البابا فرنسيس": حوار عالمي مع الطفولة
هذا الإنصات الحنون لأصوات الصغار تجسّد أيضًا في كتابه عزيزي البابا فرنسيس، حيث أُتيحت الفرصة لأطفال من مختلف أنحاء العالم ليطرحوا عليه أسئلتهم، مرفقة برسوماتهم وصورهم، وتلقى كل واحد منهم جوابًا شخصيًا بأسلوب مباشر وودود، بعيدًا عن الصيغ الرسمية أو التفاسير المعقدة.
حين يصبح بكاء الأطفال "عظة"
في يناير 2020، وخلال قداس لتعميد 32 طفلًا، قال البابا عبارته الشهيرة: "دعوا الأطفال يبكون. إنه لأمر جميل أن يبكي طفل في الكنيسة... إنها عظة جميلة." هذا التصريح، الذي لاقى صدى واسعًا لدى الآباء والأمهات، كان بمثابة اعتراف واضح بأن الأطفال ليسوا مجرد حضور صامت في الكنيسة، بل هم جزء حيّ من طقوسها.
تشجيع الرضاعة خلال القداس
في مناسبات أخرى، دعا الأمهات إلى إرضاع أطفالهن أثناء القداس دون شعور بالحرج أو الحاجة لمغادرة الكنيسة، مؤكدًا أن هذا الفعل هو "لغة حب". واعتبر أن بكاء الأطفال ليس إزعاجًا بل تعبير حيّ عن الحياة نفسها.
لقاءات عفوية وركوب عربة البابا
لم تقتصر علاقته بالأطفال على اللقاءات الرسمية. في جولاته، كثيرًا ما دعا الصغار لركوب العربة البابوية معه، محطّمًا بذلك الحواجز بين رجل الدين الأعلى وبين من ينتظرونه خلف الحواجز. في إحدى جولاته بمدينة فيلادلفيا، قدّمه له أحد الحراس رضيعًا يرتدي زي البابا، فقبّله وهو يضحك، في مشهد اختصر طبيعة علاقته الدافئة مع الأطفال.
في عالم يميل إلى الصرامة، كان البابا فرنسيس يستمع للطفل كما يستمع للعالم، ويصغي لبكاء الرضيع كما يصغي لتراتيل القداس. لم يكن هذا التفاعل مجرد لفتة رمزية، بل جزء من رؤية حملها منذ اليوم الأول: أن المحبة لا تحتاج إلى ترجمة، وأن الأطفال يفهمون القلوب قبل الكلمات.
aXA6IDE4LjExNi40Mi4xNDMg جزيرة ام اند امز