لا يخفى على أحد الدعم السياسي والأيديولوجي الذي سعت إيران إلى تقديمه للحوثيين على مدى ما يقارب عشرين عاماً
يحاول الكثيرون من رجال السياسة والمسؤولين اليمنيين والإقليميين والدوليين اللعب على وتر المزايدات المستهلكة التي تراوغ لانتزاع مصالح آنية وتلعب دور رجل المرور القادر على تسيير مسارات التوجهات السياسية، ويأتي ذلك من منطلق ادعاء السعي نحو المصلحة الإنسانية تارةً، وأخرى في تقدير مسار أزمات المنطقة وموقع الأزمة اليمنية من واقع الحال العام لما يخطط لترتيبه في المنطقة العربية.
الوصول للسلام مع مليشيا متطرفة تعمل بأيديولوجيا عرقية صفوية بات مستحيلاً، وغير قابل للاستمرار والديمومة. وهذا يفرض علينا دون مجال للتردد حسم الخيارات الرمادية، وتحديد بوصلة إنجاز القرارات المصيرية التي تحافظ على تماسك وحدة دول المنطقة وقوام جيوشها الوطنية.
وتتمثل هذه الأفكار في "تسويق سياسي" هزلي نحو استعداد مليشيا الحوثي لمد يدها للسلام وتجاوز أيديولوجياتها المتطرفة ووصايا الولي الفقيه "الثيوقراطية" في مشهد يستخدم أمهر نظريات التسويق "التجاري" للترويج عن أسوأ المنتجات "القاتلة".
فما يستوي ذلك لقناعة المستهلكين "اليمنيين" بأن مصيرهم الموت والفناء، لسبب وحيد وبسيط أن هذه جماعة إرهابية لا تملك لبيعه أو تسويقه سوى القتل والموت والدمار.
ومن يحاول أن يقنع نفسه بغير ذلك، سيضطر أن يواجه مصيره، وما تصفية الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو من منح هذه المليشيا الغطاء السياسي والشعبي إلا أبلغ الأدلة لسوء تقديره لثأر هذه المليشيا وحقدها لكل ما له علاقة باليمن والعرب من إنسان وأرض وتاريخ وسياسة وثروة.
وما يؤكد هذا التوجه والطرح، كل ما تواجهه مساعي وجهود بعض دول الإقليم والوسطاء الدوليين نحو تقريب مسارات العودة للعمل السياسي والتشاوري، إلا ويقابل بحقيقة التوجه الفوضوي لمليشيا الحوثي الإيرانية التي تؤدي دورها باعتبارها فصيلاً متطرفاً يهدف إلى ضرب الأمن القومي العربي، واستهدافه لدول الخليج العربي والممرات المائية والملاحية الاستراتيجية.
وما استهداف العاصمة السعودية الرياض وبعض المواقع بالمملكة، خلال وجود المبعوث الأممي وعدد من سفراء الاتحاد الأوروبي في صنعاء، إلا تأكيد لعدمية مسار العمل السياسي وعبثه مع هذه المليشيا، مالم يؤخذ بعين الاعتبار الضغط السياسي المتواصل لمحرك هذه المليشيا من "طهران". إن حقيقة الدعم الإيراني لمليشيا الحوثي حصيلة سنوات طويلة، أسس فيها لكيان متطرف يسعى لنشر الفوضى في المنطقة، دون رادع أو وازع ديني أو قومي يثنيه عن مساعيه المدمرة، وهو دعم دائم ومتواصل قديم وممنهج لفرض تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة العربية "انطلاقاً او انتهاءً" باليمن.
حيث لا يخفى على أحد الدعم السياسي والأيديولوجي الذي سعت إيران إلى تقديمه للحوثيين على مدى ما يقارب عشرين عاماً، قدمت لهم خلالها أشكالاً مختلفة من الدعم الذي واكب حاجتهم ومتطلباتهم، وأسهم تنامي ذلك التأهيل السياسي والعقائدي لهذه المليشيا، وتمكنهم من تغليب المصالح على الاختلافات الدينية بين الزيدية والاثنى عشرية في بناء علاقات وثيقة تقوم على الاعتبارات الأيديولوجية.
وأثبتت نتائج التحقيقات الدولية استمرار إيران في مد مليشيا الحوثي بالدعم العسكري والعتاد منذ بداية تمردها على الدولة في 2004م، وصولاً إلى تحويل مواقع في العمق اليمني لقواعد إطلاق صواريخ إيرانية باليستية لضرب المملكة، وما لذلك من أهداف جيوسياسية إيرانية في المقام الأول، لاستهداف الامن القومي العربي لمنطقة غاية في الأهمية تمثل فيها اليمن حجر الزاوية التاريخية والجغرافية.
لابد من قراءة مجتمعية تحليلية لهذه المليشيا، هي في مرحلة سقوط وتلاشي، ولا تستمد قوتها وحضورها إلا من ضعف ووهن المجتمع الراضخ والخانع، الذي لا يبدي موقفاً لا مقاومة، أسقطت مليشيا الحوثي اليمنيين القابعين في مناطق سيطرتهم، لأزمات ممتدة لا تنتهي. وهذا بالضرورة يفرز واقعاً هشاً يمكن إسقاطه لو تم إدارة المشهد من جميع أبعاده الاجتماعية الاقتصادية، ثم السياسية والعسكرية.
كتب دبلوماسي يمني سابق حول أوضاع الحوثيين اليوم قائلاً "وضعهم الشعبي والاجتماعي والميداني في تدهور مستمر؛ ولتعويض ذلك يعمدون إلى تخدير الناس بجُرع إعلامية كبيرة ومركزة، يهدف الحوثي بالتصعيد العسكري بقصف مدن المملكة إلى إحداث ضجيج غير مؤثر على الأرض، وإنما يبتغي به نصراً معنوياً داخلياً وإعلامياً خارجياً. إن هذا الضجيج وادعاءهم البطولات الوهمية تعكس حالة الهذيان والرعب التي وصلوا إليها".
وهذا يدفعنا للتأكيد أن الأهداف السياسية لعمليات التحالف العربي لا بد من تحقيقها وهي استعادة الشرعية بحضور كامل الدعم والصلاحية، واستكمال العملية السياسية بناء على مقاربات جديدة قابلة للتنفيذ والدعم الإقليمي والدولي، تحافظ على مصلحة الأمن القومي العربي وحماية الأمن القومي الخليجي من تمدد النفوذ الإيراني.
الشاهد في المحصلة أن عدم تجاوز التفاصيل، وتقدير الواقع باستراتيجيات مختلفة تعمل باتجاه موحد للصفوف وتناغم للمواقف، تنطلق من حقيقة أن الوصول للسلام مع مليشيا متطرفة تعمل بأيديولوجيا عرقية صفوية بات مستحيلاً، وغير قابل للاستمرار والديمومة. وهذا يفرض علينا دون مجال للتردد حسم الخيارات الرمادية، وتحديد بوصلة إنجاز القرارات المصيرية التي تحافظ على تماسك وحدة دول المنطقة وقوام جيوشها الوطنية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة