هناك استثمار في رمزية «التوقيت» بين المحرّضين على الصعود السعودي الجديد على مستوى قيادة المنطقة
أن يخرج أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة من كهفه ليخصص تسجيلاً كاملاً يتناول فيه تصريحات ولي العهد السعودي ضد القطيعة مع أيديولوجيا الإسلام السياسي، ممثلةً في جماعة الإخوان، وفي ذات الوقت تحشد مليشيا الحوثي كل إمكاناتها لإطلاق سبعة صواريخ دفعة واحدة، ثم تصل قناة «الجزيرة» القطرية في تغطيتها المتحيّزة ضد السعودية إلى ذروة التصعيد.
أن يحدث كل ذلك متزامناً على مستوى التوقيت، فإننا إزاء هزة سياسية كبرى أحدثتها جولة ولي العهد السعودي، ويُراد التشغيب عليها من كل الأطراف المناوئة لإعادة موضعة السعودية في المنطقة كحليف تاريخي للولايات المتحدة والدول الأوروبية، وضامن استقرار لدول الإقليم بدءاً من مصر التي تعيش أجواء انتخابات وتحديات أمنية بعد استهدافها من ذات «المشغّبين» لأسباب ليست سياسية؛ بل للحيلولة دون الاستقرار المصري، وأكبر شاهد على ذلك التغطيات المتحيّزة تجاه عبث «داعش» والتنظيمات الإرهابية في سيناء ومحاولة إضفاء طابع الفشل الأمني على الدولة المصرية.
هناك استثمار في رمزية «التوقيت» بين المحرّضين على الصعود السعودي الجديد على مستوى قيادة المنطقة نحو الاستقرار والرفاه والأسواق المفتوحة، والتقليل من رضّات الربيع العربي التي أغرقتها في فوضى المليشيات والتنظيمات المتناثرة في ظل سأم المجتمع الدولي والمنظمات الكبرى من القيام بأدوار فاعلة لإيقاف العبث الإيراني وتوابعه.
الحوثي اليوم قدم أكبر خدمة للسعودية في عاصفة الحزم التي باتت محل تأييد القوى الدولية بعد انكشاف التدخل الإيراني وأوهام المترددين حول نيات المليشيات، فهذا الكيان لا علاقة له بالسياسة قدْر أنه كيان عسكري أيديولوجي عقائدي مستلَب الإرادة لصالح طهران.
ما الذي أيقظ الظواهري الآن من كهفه، وأخرج صواريخ الحوثي المخبّأة، وجعل قناة «الجزيرة» تغفل عن قائمة الإرهاب التي أصدرتها الحكومة القطرية مؤخراً وسمّت «داعش» فيها باسمه، وتركز على التشغيب على الدور السعودي، وتحاول خلق حكايات مرسلة في كل اتجاه على مستوى الداخل والخارج، وحتى فيما يخص العلاقة بالولايات المتحدة؟ الإجابة من زاوية سياسية تتصل باستراتيجيات هذه الأطراف في التعامل مع اللحظات الكبرى منذ انتهاء الربيع العربي، وهي لحظات استقرار وصعود سعودي لترميم مخلفات تلك الفوضى، وبالتالي فهذه الأطراف رغم الصوت العالي لا تملك أي أوراق تفاوضية أو كروت للعب بها، فهي أطراف هامشية وغير فاعلة ولا يمكن أن تتحول إلى طرف فاعل، لذلك تعتقد أن التشغيب يحوّلها من حالة الكمون والتكلس بسبب انتهاء أدوارها إلى الشروع في إعادة البناء في مثل هذه الأوقات الذهبية لصعود دول الاعتدال، وفتح المجال للاستثمار واستقدام الشركات الكبرى بالتزامن مع الحسابات السياسية الجديدة في المنطقة وتعقيداتها، وعلى رأسها الموقف من الإرهاب والتدخلات الإيرانية والملف النووي.
وفي التفاصيل، نحن ندرك حرص تنظيمي «القاعدة» و«داعش» على استغلال لعبة التوقيت، فكما نعلم رغم تجريم التنظيمات للعمليات الانتخابية باعتبارها شركاً يناقض مفهوم الحاكمية القطبية، وكجزء من حربها على كل ما له علاقة بالاستقرار ومفهوم الدولة العصرية بالمعنى الحديث، التي هي في نظر التنظيم دولة فرّقت الأمة وهدمت الخلافة وأسقطت هيبتها.
رغم ذلك كله نجد التنظيم يعود للساحة السياسية في حال وجود أي طرف محسوب على الإسلام السياسي وجماعة الإخوان على طريقة النصرة السياسية المشابهة للنصرة الحربية والقتالية، فالخلاف حينذاك يصبح في التفاصيل مع الاتفاق العام حول المساس بالدولة الذي هو مدخل أساسي لفهم البناء السياسي للعقل القاعدي والداعشي، وباقي التنظيمات المليشياوية حتى بنسخها الشيعية التي تختلف في الأهداف النهائية لكنها تتوسل ذات الأساليب في الاقتيات على التوقيت لإضعاف هيبة الدولة ومقدراتها.
ومن هنا يمكن أن نفهم استغلال الحوثي لهذا الصعود السعودي، ومفرقعاته التي يحاول استغلال صداها الإعلامي كل مرة رغم إدراكه أنها لا تخرج عن دائرة التشغيب، كما هو الحال مع قصص قناة «الجزيرة» واختيارها ذات التوقيت للاهتمام بالملف السعودي إعلامياً، ولو على حساب قضية مفصلية وجوهرية كصدور قائمة إرهاب كان يُنظر إليها بالأمس على أنها مطلب مستحيل المنال، وأن الأشخاص والكيانات التي ضمتها القائمة لا يمكن وصمهم بتهمة الإرهاب مهما كلف الأمر.
وليس بعيداً عن «القاعدة» والظواهري الذي يريد أن يتصرف ككيان مستقل له رأيه في الأحداث السياسية معلقاً وشارحاً ومحذراً، في حين أنه يسعى إلى إعادة التجنيد واكتساب الدعاية التحشيدية، أن ما تفعله مليشيا الحوثي هو نسيان هزائمها على الأرض وتصاعد لعنات اليمنيين على الواقع الذي تم الزجّ بهم فيه من قِبل هذه المجموعات الموتورة التي لم تفِ حتى مع حلفائها داخل صنعاء، وبدلاً من ذلك تقوم بإعادة تعريفٍ نفسيٍّ كطرف يجب الالتفات إليه في الذكرى الثالثة لعاصفة الحزم، التي لم يكن لها أن تطول لولا أن القيادة السعودية تعتبرها مسألة ردع وليست حرب تصفية، وتأخذ وقتها في الحراك على مستوى تقنيات الردع التي تراعي تجنب الآثار المدمرة، في حين أن الحوثيين انتقلوا من الاحتماء بالمدنيين إلى تتبع مواقع البعثات الإغاثية الأجنبية والتموقع بجانبها لتجنب الضربات الدفاعية والجوية.
الحوثي اليوم قدم أكبر خدمة للسعودية في عاصفة الحزم التي باتت محل تأييد القوى الدولية بعد انكشاف التدخل الإيراني وأوهام المترددين حول نيات المليشيات، فهذا الكيان لا علاقة له بالسياسة قدْر أنه كيان عسكري أيديولوجي عقائدي مستلَب الإرادة لصالح طهران، تستخدمه ولا تعتبره امتداداً حقيقياً، هي مليشيا متطرفة انتهازية حلّت محل الجيش النظامي بسبب شره سياسي لحزب المؤتمر الذي كان ينوي العودة إلى سدة الحكم، إلا أن الإشكالية الكبرى أن مليشيا الحوثي، بسبب استغلال بعض الأصوات للحالة اليمنية الحرجة قبل عاصفة الحزم بفترة طويلة بسبب غياب الدولة، تحولت إلى ما يشبه الدولة بعد أن تحالفت مع بعض القبائل بفعل قوة السلاح وفرض الأمر الواقع، والوصول إلى اقتصاديات المليشيا عبر الإتاوات وفرض الضرائب حتى على قوافل الإغاثة الإنسانية، ومرور مساعدات المنظمات الدولية والتي يأتي معظمها من السعودية... الصورة في اليمن تنتقل إلى خيارات أسوأ ليس بسبب الحوثيين وإنما بسبب الصورة عنهم وعن الحالة في اليمن من قبل الأطراف الدولية، والتي لم تساعد المهمة السعودية لإرجاع اليمن إلى اليمنيين وشرعيتهم.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة