يجادل البعض بعدم وجود دليل على أن إيران قد زودت جماعة الحوثي بالصواريخ التي تطلقها باتجاه السعودية
لا شك في أن التردد الدولي في التعامل مع الانتهاكات الإيرانية للقوانين الدولية، بات يمثل حافزاً ودافعاً قوياً لإيران في مواصلة مشروعها التوسعي الإقليمي، ولعل إطلاق مليشيات الحوثي الانقلابية صواريخ باتجاه مدن سعودية عدة مؤخراً يوفر دليلاً إضافياً على مدى الاستخفاف بالقوانين والأعراف الدولية.
وفي ظل هذه التهديدات الصاروخية المتكررة: هل يمكن التعايش مع نظام يوزع الأسلحة والصواريخ والأموال والعتاد على المليشيات الطائفية الموالية له في كل مكان؟ الإشكالية أن المجتمع الدولي يدرك تماماً أن النظام الإيراني نظام خارج التاريخ، ومن الصعب أن يخضع للقوانين والمواثيق الدولية؛ هكذا يشير تاريخه من قيام ثورة الخميني عام 1979، حيث أغرق المنطقة بشعاراته واستغل موارد الشعب الإيراني في نشر الطائفية وبناء الأذرع العسكرية الموالية له في دول عدة.
يجب على المجتمع الدولي أن يدرك تماماً أن النظام الإيراني لن يتوقف عن نشر الفوضى والاضطرابات، إلا عندما يدرك أن قادة النظام ذاته هم من سيدفعون الثمن، فالتجارب كلها تشير إلى أن فرض العقوبات الدولية وغير ذلك من آليات لا تجدي نفعاً مع مثل هذه الأنظمة المستبدة.
يجادل البعض بعدم وجود دليل على أن إيران قد زودت جماعة الحوثي بالصواريخ التي تطلقها باتجاه السعودية، ونشير على هؤلاء بما صرح به الحوثي مؤخراً بشأن استخدام الطائرات من دون طيار في تهديد السعودية والإمارات معاً؛ فالعالم أجمع يطلع على التقدم التقني الإيراني في مجال الطائرات من دون طيار، والعالم يدرك أيضاً أن جماعة الحوثي لا علاقة لها بتطوير هذه الطائرات ولا صناعتها، فمن أين يأتي الحوثي بهذا السلاح المتطور لاستخدامه ضد الدول المجاورة؟
يجب على المجتمع الدولي أن يدرك تماماً أن النظام الإيراني لن يتوقف عن نشر الفوضى والاضطرابات إلا عندما يدرك أن قادة النظام ذاته هم من سيدفعون الثمن، فالتجارب كلها تشير إلى أن فرض العقوبات الدولية وغير ذلك من آليات لا تجدي نفعاً مع مثل هذه الأنظمة المستبدة، التي تتخذ من تصدير المشكلات إلى الخارج سبيلاً لإطالة أمد وجودها في السلطة.
عندما قامت القوات الأمريكية بتوجيه ضربات صاروخية ضد نظام طالبان في عام 2001، استشعر النظام الإيراني الخطر وقدم كل التسهيلات والمساعدات اللوجستية اللازمة للجيش الأمريكي، وقد تحدث الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني عن أن الولايات المتحدة قد حصلت على مساعدات إيرانية مهمة لإسقاط نظام طالبان، واعترف العديد من المسؤولين والقادة الإيرانيين بأن بلادهم قدمت خدمات للولايات المتحدة في أفغانستان، وتكرر السيناريو ذاته عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق في عام 2003، ورغم أن المحصلة النهائية لهذا الغزو باتت تصب في سلة إيران التي استفادت من الغزو الأمريكي في التغلغل بشدة داخل العراق، وأسست لنفوذ استراتيجي غير مسبوق هناك، فإن إيران قد شعرت بقلق بالغ في بدايات الغزو خشية أن تطالها الضربات الأمريكية.
الرهان الإيراني القائم الآن يتركز في المناورة والمراوغة داخل منطقة تباين المصالح بين الولايات المتحدة وأوروبا، التي تدافع بقوة عن الاتفاق النووي، المُوقَّع مع إيران، ففرنسا الطرف الأكثر تشدداً خلال سنوات التفاوض على هذا الاتفاق، لا تميل إلى إلغائه أو الانسحاب منه، وإن كانت تسعى إلى تشديد العقوبات ضد إيران على خلفية الانتهاكات الصاروخية للقانون الدولي، إذ ترى باريس أهمية الفصل بين الاتفاق النووي والانتهاكات الصاروخية.
هناك نقطة بالغة الأهمية في وجهة النظر الأمريكية تتعلق بانتهاك روح الاتفاق النووي، وهذه مسألة حيوية بالفعل، وترتبط بمجمل الموقف الغربي تجاه إيران، فالاتفاقات الدولية في إطارها العام تنطلق من روح توافقية تستهدف إحلال الأمن والاستقرار، وبالتالي لا يمكن القبول ـ منطقياً ـ بسلمية نوايا في الملف النووي والقول بعدوانيتها في الملف الصاروخي! بمعنى أنه لا يمكن التسليم بوجهة النظر القائلة بأن الاتفاق النووي هو أفضل صيغة ممكنة للجم الطموحات النووية الإيرانية في حين تُترَك طهران تواصل تطوير ترسانة صاروخية متعددة الأمدية، لا تهدد فقط دول الجوار بل تطال أوروبا ذاتها.
الواقع يقول إن القدرات النووية العسكرية والقدرات العسكرية الصاروخية متلازمان، فلا جدوى عملياتية كبيرة للصواريخ البالستية من دون امتلاك رؤوس ذات قدرات تدميرية هائلة (أسلحة دمار شامل، نووية أو بيولوجية أو كيماوية)، وبالتالي فإن من العبث الاقتناع بأي وجهة نظر تفصل بين الطموح النووي الإيراني وبرنامج التسلح الصاروخي، فكلاهما ركيزة لمشروع توسعي يستهدف استحضار التاريخ القديم على حساب مصالح الدول العربية والخليجية المجاورة.
الصواريخ الحوثية ليست رسالة إيرانية إلى دول التحالف العربي، بل هي رسالة ينبغي على المجتمع الدولي أن يحللها بعناية ودقة من أجل بناء موقف دولي مشترك قادر على التصدي لطموحات إيران التوسعية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة