إن إيران كمحور، هُزمت فعليًا في معركة لبنان وسوريا، لكنها لم تُهزم في الحرب بعد. ولهذا، يفترض أن معركتها الأساسية مع إسرائيل التي تهدد بضربها كل يوم، وبدأت تتحدث عن إسقاط نظامها، تحتاج إلى كثير من التأمل والتفكير في مآلات الأمور.
لا سيما في الأيام القليلة المتبقية لإدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن، ومن خلال النقاط التالية يمكننا فهم مجريات الأوضاع ومستجدات الأحداث العسكرية والسياسية.
أولاً: طهران ربما ستركز على سوريا الجديدة، بدلاً من إسرائيل، إذ تمتلك إيران ورقة مضمونة ألا وهي {حزب العمال الكردستاني}. وعلاقتها به قديمة، وقد استخدمته كثيرًا كورقة رابحة ضد تركيا، بل ووفرت له ملجأً آمنًا في سنجار شمال غرب العراق، وربطته بالحشد اليزيدي التابع للحشد الشعبي، أقله بحسب كلام مسؤولي إقليم كردستان العراق، وتصريحات شهيرة لرئاسة حكومة الإقليم قبل أيام.
ثانيًا: إن الحزب {حزب العمال الكردستاني} ينشط في محافظة السليمانية {ثاني أهم مناطق الإقليم} التي تتعامل إدارتها مع إيران تاريخيًا، وتتحالف مع القوى الشيعية المسلحة ضد أربيل أحيانًا، وهذا الأمر ليس سراً، ويعرفه كل المهتمين.
ثالثًا: من المتوقع بحسب كثير من المراقبين أن تقوم إيران بتسخير الحزب للانتقام من تركيا أولًا، ومحاولة الضغط عليها أمنيًا، وكذلك لإثارة الفوضى في سوريا والتسبب بمشكلات للحكم الجديد. وهذا ما أشار له قبل ساعات ضمناً وزير خارجية إيران عباس عراقجي، واستدعى رداً صريحًا من نظيره السوري الجديد أسعد الشيباني، الذي حذر بدوره طهران من "ارتكاب أي حماقة".
رابعًا: إيران لا تزال تؤوي قيادات من تنظيم القاعدة الإرهابي منذ سنوات، وهذا أيضًا معروف وقد نشر عنه الكثير. وحتى الوثائق الأمريكية شديدة السرية التي نشرها مايك بومبيو وزير خارجية أمريكا السابق قبل أعوام، أكدت المؤكد، واتهمت طهران بكل هذا، وأماطت اللثام عن معلومات دقيقة تمتلكها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) على مدى عقود حول هذه المسألة الشائكة.
خامسًا: يقول مايك روبيو وزير خارجية إدارة ترامب الجديدة: "لن يكون صعبًا أن تستعين إيران بالقاعدة أو بداعش لإثارة اضطراب أمني في سوريا وفي العراق، وحينها ستحرف أنظار واشنطن عن استهداف إيران إلى التعاون معها بدعوى (محاربة الإرهاب)". وهذا كلام خطير للغاية، ويبنى عليه الكثير من المعطيات المستقبلية لا قدر الله.
سادسًا: قد تصبح مطالب حل الفصائل المسلحة في العراق غير مطروحة لنفس السبب، وقد يتم إقناع الغرب بعدم السماح بظهور داعش عبر بوابة التنسيق مع إيران. لهذا، يسارع بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل لمزج المعلومات مع القرارات بغية استباق الحدث، وجعل إيران في مأزق أكبر من المتوقع قبيل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد والمنتخب دونالد ترامب في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
سابعًا: الاستعانة الإيرانية الكارثية بحزب العمال ممكنة جدًا، وهذا ما يتخوف منه صناع القرار السياسي والأمني في أنقرة، ولا يخفون ذلك خلال أحاديثهم عن قوات سوريا الديمقراطية {قسد}، التي اضطرت مؤخرًا إلى كشف طبيعة وجود ما يقرب من 17 ألف مقاتل أجنبي في صفوفها، ونيتها تسوية أوضاعهم بعد أي اتفاق مع تركيا، وهذا ما جعلها تستبق الأمر بطرح مبادرة جديدة تقوم على جعل مدينة عين العرب (كوباني) منطقة منزوعة السلاح على الحدود التركية السورية لتهدئة مخاوف أنقرة الرافضة حتى الآن.
أخيرًا: قائمٌ أي احتمال لانفجار الأوضاع على وقع سقوط نظام بشار الأسد وفراره المفاجئ لروسيا تحت جنح الظلام. ومنذ سنوات استثمرت إيران بطريقة سلبية في سوريا ولبنان والعراق، والمهم الآن هو سد الفجوات التي يمكن أن تقود لذلك، وإبراز الدور العربي في سوريا، لأنه الكفيل بجعلها دولة مستقرة تساعد على تحقيق السلام لشعبها وجيرانها والإقليم. والاتصالات والتواصل مع الحكام الجدد في دمشق، كلها مبادرات تجسر الهوة وتعبد الطريق لعملية سياسية تستوعب كافة المكونات السورية بما فيها الكرد، فضلاً عن ضرورة الحفاظ على سوريا موحدة دون أي تدخل خارجي أو نفوذ إقليمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة