نعيش انتشاراً مقلقاً لجرائم الكراهية التي تُعد من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات الحديثة، حيث تمثل تهديداً مباشراً للوحدة الاجتماعية والسلام الأهلي.
ومع تسارع تطور وسائل الإعلام الرقمي، باتت هذه الجرائم أكثر تزايداً وتأثيراً، مما فرض تحديات جديدة على الدول والمجتمعات.
واليوم، مع تزايد استخدامات وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الرقمي، أصبح نشر الكراهية والتحريض عليها أكثر سهولة، إذ تقدم هذه المنصات فضاءً مفتوحاً لمرتكبي هذه الجرائم للتعبير عن آرائهم ونشرها لجماهير واسعة، وغالباً من دون رقابة فعالة، لا سيما أن الخوارزميات التي تعتمد عليها هذه المنصات تزيد المشكلة تعقيداً، إذ تعمل على تعزيز انتشار المحتوى المثير للجدل والمشحون عاطفياً، مما يدفع بخطاب الكراهية إلى المقدمة ويؤججه.
وعلى الرغم من أن الذكاء الاصطناعي يُستخدم أحياناً للكشف عن خطاب الكراهية والحد منه، فإنه قد يُسهم في تفاقم الظاهرة؛ فبعض التقنيات، مثل المحتوى المولد بواسطة الذكاء الاصطناعي (AI-generated content) والمعلومات المضللة (Deepfakes)، يمكن أن تُستخدم لنشر الكراهية بشكل أكثر تطوراً وصعوبة في التتبع.
وتشير الأرقام إلى ارتفاع مقلق لجرائم الكراهية حول العالم؛ ففي الولايات المتحدة، ووفقاً لتقرير مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، فقد سجلت الولايات المتحدة أعلى معدل لجرائم الكراهية منذ 12 عاماً، بأكثر من 10,000 حالة، كما أفادت تقارير بأن 80% من الأشخاص في الاتحاد الأوروبي واجهوا خطابات عنصرية تحض على الكراهية عبر الإنترنت، وشعر 40% منهم بالهجوم أو التهديد عبر مواقع الشبكات الاجتماعية.
وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن جرائم الكراهية تؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي وتعزيز مشاعر العداء بين أفراد المجتمع، كما أنها تُضعف الثقة في المؤسسات، خصوصًا إذا لم تتعامل بفاعلية مع مرتكبي هذه الجرائم، وعلى المستوى الفردي، تُسبب هذه الجرائم أضراراً نفسية واجتماعية للضحايا، تتراوح بين الاكتئاب والقلق وصولًا إلى العزلة الاجتماعية.
لذا فالدول اليوم مطالبة بمواجهة هذا الخطاب عبر تطوير تشريعاتها وقوانينها وتعزيز التعاون الدولي لتتبع الجرائم العابرة للحدود، والاستثمار في أدوات ذكاء اصطناعي للكشف عن المحتوى المسيء بشكل أسرع وأكثر دقة، فضلاً عن تطوير تقنيات تتبع الحسابات التي تنشر الكراهية وإغلاقها فوراً، وإطلاق حملات توعية على مستوى المدارس والجامعات لتعزيز ثقافة التسامح، مع تشجيع منصات التواصل الاجتماعي على تحمل مسؤولياتها في مكافحة خطاب الكراهية، وكذلك تشجيع المستخدمين على الإبلاغ عن المحتوى المسيء وتعزيز الوعي بأهمية التفاعل الإيجابي عبر الإنترنت؛ فجرائم الكراهية ليست مجرد أفعال فردية معزولة، وإنما هي تهديد متجدد يتطلب استجابة متكاملة منعا لتهديد التعايش السلمي والاحترام المتبادل في مجتمعاتنا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة