تُعد الهوية الوطنية ركيزة أساسية في بناء المجتمعات واستقرار الدول، فهي تجسّد قيمها، وثقافتها، وتاريخها العريق.
وفي ظل التطورات المتسارعة لعصر الإعلام الرقمي وانتشار المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت هذه المنصات والوسائط الرقمية سلاحا ذا حدين؛ تتيح الفرصة للإبداع والتواصل من جهة، ومن جهة أخرى تُستخدم أحياناً بشكل مُسيء يضرب في الصميم قيم المجتمعات وهويتها.
في هذا الإطار، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مجلس الإمارات للإعلام إجراءات قانونية صارمة لمواجهة ظاهرة بث الإعلانات المسيئة للهوية الوطنية، في خطوة جاءت نتيجة المخالفات التي تعكس سلوكيات وأفكاراً تتعارض مع القيم الأصيلة التي يقوم عليها المجتمع الإماراتي، وهي خطوة إيجابية تؤكد هذه القيم وتعكس تنوعه وحضارته، وهو ما أذكر بأنه قد عبّر عنه الشيخ عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس مجلس الإمارات للإعلام، في إحدى الجلسات النقاشية التي التُئمت في العاصمة أبوظبي قبل فترة وجيزة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الإجراءات القانونية التي اتخذتها الإمارات، والتي تعتمد على منظومة تشريعية متكاملة، أبرزها قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية الذي يجرّم المحتوى الرقمي الذي يتعارض مع النظام العام أو يمس بالهوية الوطنية منعاً لانتشار المحتوى المسيء، وهذه الإجراءات بالطبع تؤكد أن "الحرية المسؤولة" هي مبدأ أساسي في الإعلام والاتصال؛ فلا حرية مطلقة تُمنح على حساب الهوية الوطنية أو القيم الاجتماعية التي تُعد جزءاً من ثقافة الإمارات وتاريخها، أو من ثقافة أي مجتمع عموماً.
وفي هذا الإطار، من الحري بالقول، إن المسؤولية لا تقع فقط على كاهل السلطات المختصة، بل يتعين على الأفراد والشركات الالتزام بالمعايير الأخلاقية والقانونية في صناعة المحتوى الإعلاني وعلى المؤسسات الإعلامية والمعلنين توخي الحذر في اختيار الرسائل التي يقدمونها للجمهور، بحيث تعكس القيم المجتمعية وتحترم ثوابت الدولة.
إن التحديات التي تواجه الهوية الوطنية هي قضية عالمية في مختلف المجتمعات وحتى الأجنبية منها في ظل العولمة الرقمية، ومع ذلك، فإن تجربة الإمارات في هذا الشأن تُعد نموذجا يُحتذى به؛ إذ نجحت دولة الإمارات في الموازنة بين الانفتاح على العالم والمحافظة على خصوصيتها الثقافية.
كما أن اتخاذ إجراءات قانونية صارمة يشكل حرصا من القيادة الرشيدة على صون مكانة الهوية الوطنية في الدولة وتعزيزها في المجالات كافة، فالإعلان أو المحتوى الذي يُنشر على منصات التواصل ليس مجرد كلمات وصور عابرة، بل هو أداة تأثير تُشكّل وعي الأجيال القادمة.. الأجيال التي تنظر إليها القيادة بعين الأمل مستشرفة آفاق المستقبل.
الهوية الوطنية ليست مجرد شعار أو كلمات مكتوبة، بل هي ضمير المجتمع وهويته الراسخة، لذا، فإن أي إساءة لها تُعد تجاوزًا لا يُمكن السكوت عنه، وفي هذا السياق، تُواصل الإمارات ريادتها باتخاذ إجراءات قانونية تحفظ للمجتمع قيمه وهويته في مواجهة أي محتوى يهدف إلى زعزعة هذه الثوابت، وبالتالي حماية للمجتمع من الفوضى الإعلامية والإعلانات المضللة.. من أجل مستقبل أفضل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة