اختتم الكونغرس العالمي للإعلام أعماله بعد ثلاثة أيام التئم فيها في أبوظبي بمشاركة عالمية واسعة، وقد وضع على طاولة مناقشاته عدداً كبيراً من الموضوعات التي تشكل ركيزة في العمل الإعلامي اليوم..
ففي ظل التطورات السريعة التي يشهدها العصر الرقمي، بات الإعلام الحديث إحدى أهم الأدوات المؤثرة في تشكيل الرأي العام وتوجيه السلوكيات المجتمعية.
ومع ذلك، فإن هذه القوة تأتي مصحوبة بمسؤوليات قانونية وأخلاقية يجب على الإعلام الالتزام بها لضمان تحقيق دوره البنّاء بعيداً عن التخبط الذي يهدد المصداقية والقيم الأساسية للمجتمعات؛ فالإعلام يشكل نافذة رئيسية لتوعية الجمهور بالقوانين التي تنظم حياتهم اليومية، ومن خلاله يمكن تقليص الفجوة بين المواطن والمنظومة القانونية، ما يعزز احترام القانون والالتزام به طواعية.
وعلى سبيل المثال، فقد أدى نقص الوعي بالجرائم الإلكترونية إلى وقوع العديد من مخالفة القانون، وهنا يتجلى دور الإعلام في توجيه حملات توعية مبسطة تعرّف الجمهور بمخاطر هذه الجرائم وطرق الوقاية منها والعقوبات القانونية المترتبة عليها، لكن بالطبع هناك جملة من التحديات التي تواجه التوعية الإعلامية بالقانون على الرغم من أهمية هذا الدور.
ومن أبرز هذه التحديات من وجهة نظر شخصية نقص الكفاءات الإعلامية ذات المعرفة القانونية؛ فكثيراً ما يتم تناول القضايا القانونية بسطحية أو بطرق تفتقر إلى الدقة، ما يخلق تصورات خاطئة لدى الجمهور، فضلا عن التحيز والاستغلال السياسي؛ إذ تُستخدم بعض الوسائل الإعلامية كأدوات لتحقيق أهداف سياسية أو شخصية، مما يؤدي إلى تسييس القضايا القانونية وفقدان الثقة بالمحتوى الإعلامي، مع ضعف واضح في الالتزام بتشريعات وقوانين الإعلام إذ تتجه بعض المؤسسات الإعلامية (غير المهنية) أو صفحات المؤثرين الرقميين إلى انتهاك الخصوصية، ونشر الأخبار الكاذبة، أو التحريض، ما يضر بالمجتمعات ككل.
وإلى جانب تحديات التوعية، يشهد الإعلام تخبطاً ملحوظاً بسبب ضعف الالتزام بالقوانين، ما انعكس في أشكال عديدة من الخروقات القانونية، أبرزها نشر الأخبار الكاذبة والمضللة؛ حيث أصبحت الأخبار المضللة ظاهرة متفشية، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، ما يثير الفوضى ويضعف المصداقية الإعلامية، وكذلك انتهاك الخصوصية، حيث يلجأ بعض الإعلاميين إلى خرق قوانين حماية الخصوصية في سبيل تحقيق السبق الصحفي أو جذب المتابعين، مع انتشار خطاب الكراهية والتحريض، بما يهدد الاستقرار الاجتماعي، للأسف في الكثير من المجتمعات.
وهذا بالطبع يعود إلى جملة من الأسباب أبرزها ضعف الوعي بالقوانين كما أشرت والتطور التكنولوجي السريع؛ حيث صعوبة مواكبة التشريعات للتكنولوجيا الرقمية ما يجعل من الصعب السيطرة على الخروقات القانونية للتشريعات الإعلامية.
إن غياب الالتزام بالقوانين في الإعلام يؤدي إلى تداعيات خطيرة، أبرزها فقدان الثقة بالإعلام؛ حيث يضر نشر الأخبار الكاذبة والمضللة بمصداقية الإعلام كمصدر للمعلومات، فضلا عن زعزعة الاستقرار الاجتماعي؛ إذ يسهم خطاب الكراهية والأخبار الملفقة في تأجيج النزاعات، وتقويض مبادئ العدالة؛ فعندما يصبح الإعلام أداة للتشهير أو انتهاك الحقوق، فإنه يهدد قيم العدالة وسيادة القانون.
للحد من التخبط وتعزيز دور الإعلام كوسيلة للتثقيف القانوني، يجب تبني مجموعة من الإجراءات أبرزها تدريب الإعلاميين؛ من خلال تقديم برامج تدريبية لتزويدهم بالمعرفة القانونية اللازمة لضمان تناول القضايا بدقة ومهنية، والشراكة مع الخبراء القانونيين لإنتاج محتوى موثوق ومبسط، وتطوير التشريعات الإعلامية لتتماشى مع التحولات الرقمية وضمان تنظيم عمل المنصات الإعلامية الرقمية، مع التركيز على التوعية بأهمية المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية للإعلاميين في بناء مجتمع مستقر وواعٍ.
فالإعلام، باعتباره ركيزة أساسية في المجتمعات الحديثة، يملك قدرة هائلة على التغيير والتأثير، لكنه في الوقت ذاته يحمل مسؤولية كبيرة تجاه الالتزام بالقوانين والقيم الأخلاقية، ومن خلال تعزيز التوعية القانونية والالتزام بها، يمكن له أن يكون قوة إيجابية تسهم في بناء مجتمعات قائمة على العدالة وسيادة القانون، بعيداً عن الفوضى والتخبط الذي يهدد قيمها الأساسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة