كان وصول الإخوان إلى حكم مصر عقب ثورة يناير/كانون الثاني 2011 إنجازاُ تاريخيا كاملاُ، من وجهة نظر الإخوان للفكرتين الرئيسيتين للجماعة.
فهي قد وصلت للرئاسة وقبلها للبرلمان عبر انتخابات ديمقراطية تلت ثورة شعبية، بما يؤكد الفكرة الأولى بأنها جماعة وسطية سلمية متدرجة، كما أنها وصلت بالفعل منفردة ومسيطرة بالكامل على حكم مصر بكل ثقلها، بما يؤكد تحقق الفكرة الثانية بأنها وصلت إلى تأسيس وحكم «دولة إسلامية» ومن هنا كان سقوط الإخوان بإرادة شعبية هائلة، هم ينكرونها حتى اليوم، في ثورة 30 يونيو/حزيران 2013 العظيمة، بعد عام واحد من حكمهم المنفرد لمصر، بمنزلة قضاء مبرم على هذه الفكرة الثانية، وأي إمكانية لإعادة تحقيقها سواء في مصر أو أي بلد آخر في العالم.
ففشل التنظيم الأم وقيادته في مركزه العالمي بمصر في الحفاظ على إنجاز فكرتهم الرئيسية بالحكم المنفرد الإسلامي المزعوم، والتي كانت ستتحول إلى مصدر إلهام لكل إخوان العالم في حالة نجاحها، أطاح بالنموذج الذي ظلت الجماعة تروج له وتسعى إليه منذ تأسيسها.
وعقب انهيار الفكرة الثانية الرئيسية للإخوان، انهارت أيضاً وللأبد الفكرة الأولى الرئيسة، بأنهم جماعة وسطية سلمية متدرجة. فمن على منصتي اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، ثم بممارسات العنف والإرهاب التي انخرطت فيها الجماعة لسنوات طويلة بعد إسقاط الشعب المصري لحكمهم، تحولت الجماعة تدريجياً أولاً ثم بصورة أسرع بعدها، إلى جماعة تتبنى أفكار التجهيل وأحيانا التكفير لخصومها وعلى رأسهم النظام السياسي المصري.
وأضحى العنف الدموي والإرهاب هما سبيلها الرئيس لتحقيق ما تراه إعادة للشرعية وتطبيقا لشرع الله، موسعة وفق هذا من مواجهتها، لتصبح مع قطاعات واسعة من المجتمع، وليس فقط مع مؤسسات الدولة التي ظلت العدو الرئيس لها.
بعد هذا الانهيار الكامل لفكرتي قيام وبقاء الجماعة الرئيستين طوال تاريخها الممتد من عام 1928 وحتى عام 2013، أنها جماعة وسطية سلمية متدرجة، وأنها عبر هذا سوف تصل إلى تأسيس وحكم الدولة الإسلامية الحقيقية، يبدو أن الجماعة نفسها قد أوشك على النهاية في مصر والعالم وأنها في مرحلة الاحتضار.
فالتدقيق في سلوك الجماعة في الشهور والسنوات القليلة التالية لفض اعتصامي رابعة والنهضة، يشير إلى ملامح محددة ظلت ملاصقة للجماعة حتى اليوم.
أول هذه الملامح، هو أن القدرة المعروفة عنها لحشد عضويتها وأنصارها في شوارع مصر، قد تراجعت بصورة هائلة وملحوظة طوال الشهور الأولى التالية لإسقاط حكمها مصر، فلم يصل في أقصى الأيام حينها عدد المشاركين في المظاهرات التي دعت لها الجماعة وتحالف دعم شرعيتها، إلى عشرة آلاف مشارك على مستوى الجمهورية كلها، بما في ذلك اليوم الأول لمحاكمة محمد مرسى في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 والذكرى الثالثة لثورة 25 يناير/كانون الثاني في عام 2014.
ويعنى هذا أن قسماً كبيراً من أعضاء الجماعة ومناصريها قد اتخذوا مساراً آخر غير الصدامي والعنيف الذي قررت انتهاجه بدءاً من هذا الوقت، وهو على الأرجح اعتزال ما يجرى، رفضاً منهم لهذا المنحى المتطرف والعنيف والمخالف بحسب رؤية البعض منهم لما اعتقدوه عن الجماعة، باعتبارها جماعة وسطية سلمية متدرجة، وكذلك توائماً منهم مع التغييرات الشعبية والسياسية الجديدة التي شهدتها مصر من جهة أخرى.
وتمثل الملمح الثاني المهم في العلاقة والتداخل غير المعروف حتى اللحظة أبعادهما الكاملة بين رؤية وسلوك الجماعة وقيادتها، ورؤية وسلوك الجماعات الإرهابية العنيفة، مثل أنصار بيت المقدس التي راحت توجه عمليات التفجير والاغتيال لأهداف عديدة داخل وادي النيل بالإضافة لمسرح إرهابها التقليدي في شمال سيناء، وذلك حتى عام 2018.
وقد بدا قرب هذه العلاقات واضحاً من إحجام قيادة الجماعة في بياناتها عن وصف هذه الأعمال بالإرهابية، وعدم الإشارة لجماعة أنصار بيت المقدس التي كانت تبث بيانات وصوراً وأفلاماً تقر فيها بمسؤوليتها عنها، ولا وصفها بأي وصف يمكن أن يحمل معنىً سلبياً لها.
diaarashwan@gmail.com
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة