إن الكلام عن مستقبل مليشيا حزب الله اللبناني يأخذنا إلى سؤال كبير جداً، هل ستقبل إيران بتحويل المليشيا لحزب سياسي؟..
ونقول إيران لأنها الراعي الحقيقي و الداعم الأول لحزب الله، وكل ما قامت به المليشيات على مدى عقود هو خدمة لمشروع إيران في المنطقة، ولإجابة أكثر استيعاباً لمعطيات الأحداث يتوجب علينا التوقف عند النقاط التالية :
أولاً: دعونا نأخذ تجربة العراق على سبيل المثال، فمنذ سقوط نظام الرئيس صدام حسين على يد الجيش الأمريكي عام 2003 وإيران تحظى بالسلطة المطلقة في بغداد، وعلى الرغم من كل هذا لجأت إيران لخلق الحشد الشعبي، ورفضت دمجه بالدولة العراقية، ولم تتعزز الثقة بالمشروع الإيراني نتيجة إيمان نظام طهران بمبدأ {ضعف الدولة الوطنية هو المدخل الأساس لتحقيق أهداف الولي الفقيه}.
ثانياً: الثنائية الإيرانية ليست بجديدة حتى على الداخل الإيراني، فالخميني نفسه وبعد تمكنه من السيطرة على الثورة الشعبية ضد الشاه الإيراني أواخر سبعينات القرن الماضي، كان يحذر من الجيش الإيراني ولا يثق به، وعمد إلى تأسيس الحرس الثوري الإيراني كذراع أيديولوجي ضارب ويحظى بمكانة أولى لديه، إلى جانب إضعاف الجيش وتهميشه.
ثالثاً: وحين تدخلت إيران في الحرب السورية، لم تعتمد حتى على الجيش السوري النظامي للبلاد، وذهبت تنشر مليشيات فاطميون وزينبيون ونسخ أخرى من الجماعات الإرهابية على طول البلاد وعرضها، لتكون في المحصلة يدها التي تبطش بها، ونجد اليوم هذه المليشيات الإيرانية في سوريا تشكل عائقاً رئيساً أمام حلول سياسية لإنهاء الأزمة السورية حتى بعد انتهاء الحرب.
رابعاً: ما أود قوله، أن قبول إيران بتحويل مليشيا حزب الله لحزب سياسي في لبنان، هو أمر يمثل نهاية للمشروع الإيراني في لبنان، وهذا ما لا تريده إيران ولن توافق عليه، لهذا فإن الحديث عن تحول المليشيات لحزب سياسي هو مجرد وهم وأضغاث أحلام، بل ترهات يسوقها ساسة لبنان الفاسدون بغية كسب المزيد من الوقت الذي يمنحهم فرصة التحالف مع فواعل مليشياوية جديدة في حزب الله، قد تنشأ بعد الفراغ الذي أحدثه مقتل حسن نصر الله وقيادات الصف الأول والثاني والثالث من المليشيا على يد إسرائيل.
خامساً: والأهم من كل هذا أن نقول: إن عدو إيران الحقيقي في المجال العربي هو الدولة الوطنية، ولنتفق على ذلك، لأن لدى إيران الآن فرصة لإعادة ترتيب أوراقها، في ظل وصول ترامب للسلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وما تسعى إليه إيران دوماً هو تصدير ازدواجية كارثية لديها، جيش وحرس ثوري، شرطة وباسيج، مرشد ورئيس، والمشروع الإيراني الذي أوجده الخميني خُلق لترونه بهذه الصورة، مليشيا خارج إطار الدولة.
سادساً: وقد أعطت إيران الضوء الأخضر لحصول اتفاق بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، من أجل الخروج من عنق زجاج الحصار المطبق على المليشيات، وتنفس الصعداء لمدة محدودة، تمنح إيران وقتاً لصناعة استراتيجية جديدة قادرة على حماية مصالح غير شرعية لإيران في لبنان، وفي مقدمتها سلاح غير شرعي اغتال رفيق الحريري ونخبة النخبة في الدولة اللبنانية على مدى سنوات.
أخيراً، وخلاصة القول في كل ما ذكرته: المشروع الإيراني يمكن لنا كعرب هزيمته، لكن لا يمكن لنا إقناع إيران بالتخلي عنه، لأن هذا أمر شبه مستحيل، والدليل الأكثر وضوحاً ظاهرٌ في اليمن، فعلى الرغم من نجاح الصين برعاية اتفاق سعودي إيران صامد حتى اللحظة، وحرص السعودية على إنجاح عودة العلاقات مع طهران، لم يتقدم الحل السياسي في اليمن قيد أنملة، لأن مليشيات الحوثي بصفتها ذراعاً إيرانياً إرهابية في هذا البلد، لا تزال تتلقى السلاح المهرب من إيران، و تمارس قرصنة في البحر الأحمر، وتهدد بين الحين والآخر دول الجوار بمزيد من العبث والفوضى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة