انعقدت النسخة الثالثة من الكونغرس العالمي للإعلام في أبوظبي، حيث اجتمع متخصصون من مختلف دول العالم لمناقشة مستقبل الإعلام في ظل التحولات العميقة التي يشهدها هذا المجال.
وتنوعت الجلسات بين طرح التحديات واستشراف الفرص، مع التركيز على قضايا أساسية مثل تأثير التكنولوجيا على الإعلام، وأهمية الحفاظ على المصداقية، ومعالجة انتشار الشائعات والمعلومات.
وكان من أبرز ما تم تناوله في النقاشات هو التحديات التي يفرضها العالم الرقمي، خاصة مع انتشار خطاب الكراهية وسرعة تداول الأخبار غير الدقيقة على منصات التواصل الاجتماعي، وقد تحدث الشيخ عبدالله بن محمد بن بطي آل حامد، رئيس المكتب الوطني للإعلام بدولة الإمارات، عن هذه الظواهر، مشيراً إلى أهمية وجود قوانين تحكم الفضاء الرقمي وتحد من الفوضى، مع الالتزام بحماية حرية التعبير.
وهنا، فلا مفر من القول إن التوفيق بين حرية الرأي واحترام القانون ضرورة ملحّة؛ فقوانين الإعلام في الدول العربية بحاجة إلى مراجعة شاملة لضمان مواكبتها للمتغيرات، ولتعزيز التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية، والعودة إلى المرجعيات الدولية والاتفاقيات التي تنظم الإعلام يمكن أن توفر إطاراً واضحاً للتعامل مع هذه التحديات.
وبالطبع، يشكل الشباب محوراً رئيسياً في مستقبل الإعلام، سواء كمنتجين أو متلقين للمحتوى، ومن هنا من الضروري - قولاً واحداً - تعزيز وعيهم بدورهم في نشر محتوى بعيد عن الشائعات أو التحريض، مع التركيز على نشر القيم الإيجابية التي تعبر عن تراثنا الثقافي وأخلاقنا، ومفاهيمنا وقيمنا المتسامحة وفكرنا الحضاري.
وليس هذا فحسب بل تتحمل المؤسسات الإعلامية أيضاً مسؤولية إعداد جيل جديد من الإعلاميين والصحفيين القادرين على التمييز بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة، وتشجيعهم على تقديم محتوى يعكس القيم الأخلاقية ويعزز ثقافة الحوار واحترام الآخر، من خلال دورات تدريبية وتعليمية متخصصة تمكنهم من نشر محتوى إبداعي مميز ومفيد.
فالإعلامي اليوم ليس مجرد ناقل للمعلومة، بل هو جزء من عملية صياغة فهم الجمهور للأحداث، ولضمان دور فعّال للإعلاميين، يجب تطوير القوانين عبر وضع تشريعات مرنة تحمي حرية الصحافة مع ضمان المسؤولية المهنية.
وتأهيل الكوادر من خلال تمكين الصحفيين والإعلاميين من اكتساب مهارات جديدة، خاصة في الصحافة الاستقصائية والتحليلية، فضلا عن تعزيز التكامل مع الإعلام الرقمي من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة مكملة للإعلام التقليدي، لتعزيز التأثير والوصول.
كما أن الإعلام التقليدي اليوم يحتاج إلى تقديم ما يتجاوز مجرد نقل الأخبار؛ وعليه التركيز على تحليلها وتفسير أبعادها، وهذا التحول سيساعد في استعادة الثقة التي فقدتها وسائل الإعلام التقليدية أمام المنافسة الرقمية نظراً لأن الإعلام يمر بمرحلة تحوّل جذري، حيث تتداخل التكنولوجيا مع الجهود البشرية لصناعة محتوى هادف ومسؤول، وعلى العالم العربي أن يستعد لهذه المرحلة من خلال بناء منظومة إعلامية تحترم القيم الثقافية وتستجيب للتطورات المتسارعة.
إن استشراف المستقبل يتطلب رؤية عميقة وجهوداً حثيثة لبناء إعلام يرتقي بمستوى الوعي ويسهم في تحقيق التواصل الإنساني المسؤول؛ فالإعلام ليس مجرد أداة لنقل الأحداث، بل هو نافذة على الحقيقة وشريك في بناء مستقبل أفضل، والكونغرس العالمي للإعلام خير منصة لهذا الحوار الهادف الذي تعقده دولة الإمارات التي تضع عينا على الواقع وعينا أخرى على المستقبل من أجل قادم أفضل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة