لا عجب أن تجد فيمن حولك من ينكرون "التغير المناخي" وآثاره الخطيرة على حياة كوكب الأرض واستدامتها، رغم الجهود الدولية المبذولة في رفع الوعي بقضايا المناخ.
ومثلما تابعنا مظاهر تعافي الطبيعة في فترات الإغلاق بسبب تفشي جائحة كورونا عام 2020، نطالع يوميا الحرائق المندلعة في البرتغال وفرنسا وإيطاليا وغيرها من بلدان أوروبا، التي تعاني جراء الاحتباس الحراري.
في بريطانيا تخطت درجات الحرارة لأول مرة في التاريخ 40 درجة مئوية، وظهرت حديقة "هايد بارك" الشهيرة بلا لونها الأخضر، كما خلا ركن المتحدثين التاريخي من خطبائه بسبب القيظ، علاوة على الحرائق التي دفعت بالمحتجين إلى الشارع للمطالبة بمزيد من الإجراءات للحفاظ على طقس لندن المعتاد.
وفي شمال روسيا هبط الدب القطبي من أعاليه إلى صناديق القمامة على تخوم المدن بحثا عن الغذاء في نفايات البشر، بعد أن ذابت مواطنه الطبيعية في سيبيريا ولم تعد بيئة صالحة له.
دوي يتردد صداه في كل مكان على كوكب الأرض لنواقيس الخطر، إلا أن قلة من البشر اختارت أن تصم آذانها عنه، مشككة فيما يبدو للجميع حقيقة علمية، أو متهاونة في موقفها من كارثة وشيكة.
يتبدد العجب من موقف هؤلاء إذا راجعنا ما قاله الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أثناء جلوسه بالمكتب البيضاوي، معلنا تشكيكه في حقيقة أن التغير المناخي ظاهرة تستحق التحرك الدولي، وفي مسؤولية البشر البيئية.
رأي ترامب، الذي تراجع عنه بعد أن ترك البيت الأبيض، لم يكن قناعة فردية لسياسي ورائد أعمال مثير للجدل، ولكن كان معبّرا عن سياسة دولة عظمى انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ في وقت تسعى دول العالم لحشد جهودها لاستعادة مناخ ملائم ومستدام لحياتنا.
واتفاقية باريس الموقعة عام 2015 تهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في القرن الجاري، وتلتزم بها 192 دولة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي.
موقف ترامب هو تعبير عن نسبة من الأمريكيين ينكرون التغير المناخي، ويعيشون في البلد، الذي يتسبب في أكبر انبعاثات للكربون في العالم.
أستراليا وحدها يمكن أن تشكل أكبر إنذار على مدى خطورة الوضع البيئي، فمنذ مطلع القرن العشرين، ارتفع متوسط درجة حرارة الأرض في أستراليا بمقدار 1.4 درجة مئوية، ما سرّع تدهور النباتات والحيوانات.
وأتت حرائق 2019-2020 على أكثر من 8 ملايين هكتار من الغطاء النباتي، كما قتلت أو شردت ما بين مليار و3 مليارات حيوان، وأدت موجات الحر في المحيط إلى "موجة ابيضاض هائلة" لحاجز الشعب المرجانية منذ عام 2016.
وخلال 5 سنوات، أضيف أكثر من 200 نوع نباتي وحيواني ذي أهمية وطنية إلى قائمة الأنواع المهددة بالانقراض في أستراليا.
وتنمو المدن الأسترالية بوتيرة متسارعة، حتى إن سيدني فقدت أكثر من 70% من نباتاتها الأصلية بسبب "التنمية الحضرية".
الدول الرشيدة لا تتهاون مع قضايا المستقبل، ويمكن اتخاذ الإمارات نموذجًا لجدية التعامل مع التهديدات البيئية بنظرة على المبادرة الاستراتيجية للحياد المناخي 2050. فهي أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن هدفها لتحقيق الحياد المناخي، ومن السابقات في إنشاء وزارة للتغير المناخي والبيئة، ما يعكس وعي قيادتها الحكيمة بأولوية قضية التغير المناخي ومشكلاته كأبرز تحديات المستقبل.
هذا الوعي هو حجر الأساس في إحداث أي تغيير إيجابي على البيئة.
وكما أن مقاومة الانبعاثات الكربونية ضرورة لسلامة الكوكب، فالبدء برفع الوعي حول قضايا البيئة ومناقشة منكري التغير المناخي، أولوية ملحة... وإلا سنصبح شهودا "بل ضحايا" مسلسل رعب بيئي لا تنتهي حلقاته.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة