يعد التصحر من المشكلات العالمية التي تعاني منها العديد من دول العالم.
حيث يُفقَد أكثر من 12 مليون هكتار من أراضي العالم بسبب التصحر وتدهور الأراضي والجفاف كل عام، ويغطي التصحر نحو 68% من المساحة الإجمالية للدول العربية، أما في الصين فتتجاوز مساحة التصحر ربع مساحة البلاد.
وتتجسد خطورة التصحر في نقاط عدة، مثل استنزاف التربة وتدهور إنتاجية الأرض الزراعية وتقلص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، ما يهدد الأمن الغذائي، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، كما يتسبب في زعزعة استقرار سكان المناطق المحاطة بالرمال والغبار، وتعريض الأمن البيئي للخطر.
ففي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، كانت بكين تتعرض في أغلب أوقات العام للعواصف الرملية، وكان مصدر الرمال الرئيسي هو صحراء كوبوتشي بمنطقة منغوليا الداخلية ذاتية الحكم، الصحراء الأقرب إلى بكين.
بعد ثلاثين عاما من التحكم الفعال في الرمال، بلغ إجمالي المساحة الخاضعة للسيطرة في صحراء كوبوتشي 6460 كيلومترا مربعا، ووصل معدل الغطاء النباتي إلى 53%، إذ لم تتحسن البيئة المعيشية للسكان المحليين بشكل ملحوظ فحسب، بل انخفضت أيضا حالات الطقس الرملي والغبار في المناطق المحيطة.
وقد أكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أن "المياه الصافية والجبال الخصبة أصول لا تقدر بثمن".. هذا هو مفهوم التنمية، الذي التزمته الصين في السنوات الأخيرة.
صحراء كوبوتشي ليست سوى صورة مصغرة لإنجازات الصين في حماية البيئة ومكافحة التصحر.
فمنذ عام 2012، أكملت الصين عمليات مكافحة التصحر للأراضي الصحراوية بمساحة 18.8 مليون هكتار، وانخفضت مساحة الأراضي المتصحرة بأكثر من 4.33 مليون هكتار.
وكانت أيضا صحراء "مووس" في مقاطعة شنشي واحدة من أكبر أربع صحارى في الصين، وحتى الآن تم تخضير 80٪ من مساحتها، وربما تصبح أول صحراء "تختفي" في الصين.
في السنوات الأخيرة، دخلت التنمية في الصين إلى مرحلة جديدة، فلا تزال هي الأولوية القصوى للصين، لكن في العصر الجديد أولت الحكومة الصينية حماية البيئة اهتماما كبيرا، إذ تصر على تنسيق البناء الاقتصادي مع بناء الحضارة الإيكولوجية، فتكثف جهودها لحل المشكلات البيئية ودفع التنمية المستدامة بكل عزيمة.
وبتوجيه فكر "شي" نحو الحضارة البيئية، التزمت الصين في السنوات الأخيرة الأولوية البيئية والتنمية الخضراء، كما تم تحسين القوانين واللوائح في مجال البيئة بشكل تدريجي.
وقامت مجموعة من شركات الغابات وشركات مكافحة الرمال والاستثمار في مكافحة التصحر، بالتركيز على تطوير الزراعة الحديثة وتربية الحيوانات والطاقة الخضراء الجديدة، وذلك باستغلال الصحراء الشاسعة وموارد الطاقة الضوئية الوفيرة فيها، وفي الوقت نفسه، تقوم بتوظيف السكان المحيطين بالمنطقة المستهدفة لتحقيق هدف توحيد الفوائد البيئية والفوائد الاقتصادية.
وتهتم الصين بالبحث العلمي في مجال التصحر واستعادة النظام البيئي، وتطبيق نتائج البحوث في منع التصحر ومكافحته.
على سبيل المثال، يعمل مجموعة من أساتذة جامعة "تشونغتشينغ جياوتونغ" الصينية بالبحث في تكنولوجيا ميكانيكا التربة وتطوير تقنيات تحويل رمال الصحراء إلى تربة زراعية، وقد حوّلت هذه التكنولوجيا 666.7 متر مربع من الأراضي القاحلة في الصين وخارجها إلى أراضٍ خضراء.
كما تستخدم تقنية زرع الأشجار حسب بيانات اتجاه الرياح على نطاق واسع في تشجير صحراء كوبوتشي، فأول مرحلة هي تحديد اتجاه الرياح السائد، الذي يواجه الكثبان الرملية المتحركة، ثم زرع الأشجار تحت ثلاثة أرباع ارتفاع منحدر مهب الرياح، وتسطيح الجزء العلوي من المنحدر دون الأشجار، كما تم تثبيت الرمال في المكان الذي تُزرع فيه الشجيرات.
وبفضل هذه التقنية، انخفض متوسط ارتفاع الكثبان الرملية في صحراء كوبوتشي بنحو ثلث ارتفاعها منذ عام 2009.. إضافة إلى ذلك، يتم تطبيق تقنيات مثل بناء حواجز الرمال المصنوعة من قش القمح، وزراعة نبات "عرق السوس" المقاوم للجفاف، وبذره بواسطة طائرات دون طيار، فضلا عن مكافحة التصحر باللوحات الضوئية.
وتنظم إدارة الدولة للغابات والأراضي العُشبية استقصاء ومراقبة للتصحر كل 5 سنوات، لمعرفة الوضع والتغيرات الديناميكية للتصحر في الصين بانتظام.. ففي الوقت الحاضر تم تشكيل نظام علمي لمكافحة التصحر في الصين تدريجيا بقيادة مؤسسات الدولة وبمشاركة على نطاق واسع من مؤسسات البحث العلمي والشركات والمنظمات التعاونية المهنية والقوى الاجتماعية الأخرى.
تقول الإحصائيات إنه في نهاية القرن العشرين كان معدل مساحة الأراضي المتصحرة في الصين 10400 كيلومتر مربع سنويًا، أما الآن فيتقلص بمعدل 2424 كيلومترا مربعا سنويا.. إذ اتخذت الصين زمام المبادرة في تحقيق "نمو صفري" في تدهور الأراضي، و"خفض مزدوج" في مساحة الأراضي القاحلة والأراضي المتصحرة في العالم.
ويعد التحكم في الرمال مسألة بقاء وتنمية.. فمناطق التصحر الرملية والصخرية في الصين موطن لما يقرب من ثلثي المحافظات الفقيرة في البلاد، ونحو 80٪ من السكان الفقراء، فهي ليست فقط مناطق رئيسية للإدارة البيئية، بل أيضًا ساحة المعركة الرئيسية للتخفيف من حدة الفقر.
وقد تم تحسين البيئة وتطوير الصناعة، بحيث يمكن لهذه المناطق جذب مزيد من السياح، كما يمكن للسكان المحليين أن يعيشوا حياة ملائمة ومزدهرة.
إن البيئة الجيدة هي هبة الطبيعة للبشر، مسترشدة بالحضارة البيئية، ومن هذا المنطلق تستكشف الصين الآن طريقا أخضر للتنمية المستدامة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة