يطرح مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" الإرهابي، أيمن الظواهري، العديد من التساؤلات التي تتعلق بدور هذا التنظيم في نشر عقيدة التطرف والإقصاء.
والكارثة الكبرى لهذا التنظيم هي إلباس ديننا الحنيف صورة الإرهاب، فضلا عن تحفيز الإسلاموفوبيا في الغرب والشرق على السواء.. كل ذلك يفعله الإرهاب بديننا رغم ما في هذا الدين من الحكمة والرحمة والوسطية والاعتدال والقيم الفُضلى، التي تحتاج إليها الإنسانية اليوم، في ظل صراعات على معيشة واقتصادات دول تنهار وبلاد تضيع بالفوضى وإثارة الكراهية بين أفراد المجتمع.
فاليوم، وبعد مقتل العقل المدبر للتنظيم، لا يعتقد أحد أن ينتهي الإرهاب، الذي مارسه هذا الفكر المتطرف منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بل يُخشى أن يكون هذا الحدث بداية لبروز جيل أشد تطرفًا وعدوانية من قادة التنظيم، الذين رضعوا التطرف أبًا عن جد في مدرسة "القاعدة" الإرهابية.
وأمام هذه الحقيقة، يجب علينا أن نعي أنّه لا بدّ من استئصال الفكر الإرهابي كي يعيش العالم بسلام، ولا بد من تصالح الدول واتفاقها على رعاية شؤونها الداخلية والإقليمية بأعلى معايير الصواب والعدالة، كي لا يكون ما غفل عنه المشرّعون وأهل السياسة والقادة سببًا مستدامًا لنزاعات وحروب لا تنتهي، وليست الأزمة الأوكرانية إلا المثال الحي على ذلك، وتليها في الأهمية أزمات كثيرة حول العالم.
والحقيقة تقتضي بشكل من الأشكال أن يتنازل أطراف النزاعات عن مصالح ضيقة لا تزال مثارا لحملات العَنصرة والتجييش والتحشيد ضيقة الأفق، والتي تؤدي في المحصلة إلى تفكك كيانات وطنية لأجل مصالح شخصية أو فئوية ضيقة، هذه المصالح التي تتقاطع عضويا مع مصالح بعض القوى الإقليمية والعالمية في الإبقاء على الجماعات التكفيرية والإرهابية المتطرفة كأدوات جاهزة للاستخدام في كل نزاع محتمل.
أمام المتشاحنين فرصة للتوافق ببعض التنازل، وأمام المختلفين فرصة لنيل الاتفاق بقليل من الحوار والنهج الدبلوماسي، بدلا من رفع السلاح وحوار الرصاص.
هي لعبة السياسة إذًا، تلك التي تجعل من التخلص من رأس مدبر لتنظيم إرهابي ارتبط بوقت وزمان معينين يحتاج إليهما هذا الطرف أو ذاك لإلهاء العالم عما يحدث في مكان قريب آخر، ففي الحقيقة، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، كان الفكر الإرهابي بيدقا متنقلاً وأداة مستخدمةً في صراع قوى عالمية وازنة في فترة الحرب الباردة، أما اليوم، فها هو يطل برأسه مجددا، متنقلاً من العراق إلى أفغانستان، ومن الصومال إلى مالي، معلنًا عن نمط جديد من الانتشار، قائم على "سياسة الخفافيش" في ملء فراغ مساحات العتمة، التي يستوجب أن تُملأ بمفاهيم الحكمة والرحمة والتصالح لأجل أغراض وأهداف وقيم إنسانية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة