لماذا تعمل دولة الإمارات على مد جسر بين الحضارات، بينما يعمل الآخرون على هدم كل الجسور
تحت قبة البرلمان الفرنسي وقف أحد النواب موجهاً سؤاله إلى وزيرة الثقافة والاتصال الفرنسية قائلاً: "معالي الوزيرة.. مسرح نابليون الثالث؛ القصر الإمبراطوري، ستتم إعادة تسميته كما تعلمون، ليصبح مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، أرغب في أن أُحاط علماً بهذا الأمر، وأن نستطيع مناقشته، وأن أسألك ما إذا كان هذا المسرح، والذي سيكون فيه بكل تأكيد منصة لغناء الكاريوكي كما آمل، سيشهد إقامة عروض حرة؟".
الجمهورية الفرنسية عندما قررت إطلاق اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على المسرح الإمبراطوري في قصر «فونتينبلو» بالعاصمة الفرنسية باريس، فهي إنما فعلت ذلك تعبيراً عن شكرها وعرفانها لمساعي دولة الإمارات الكبيرة في إعادة هذا المَعلم العريق إلى الحياة مرة أخرى، وحفظه من الاندثار
كما أخطأ النائب في الإشارة إلى أن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد رئيس للسعودية!.
استمعت وزيرة الثقافة والاتصال الفرنسية إلى سؤال النائب بهدوء، وارتسمت على وجهها ابتسامة وهو يرتكب هذا الخطأ، قبل أن ترد عليه قائلة:
السيد النائب.. عليك أن تراجع معلوماتك الجغرافية. أبوظبي ليست في المملكة العربية السعودية، أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة. أما بالنسبة للمسرح الإمبراطوري لقصر فونتينبلو، فلتعلم سيدي النائب أن هذا المسرح كان مغلقاً منذ نهاية الإمبراطورية الثانية في العصر الذي أنشئ فيه.
وأن طلاب المدارس الفرنسيين لم يتسن لهم أبداً الاستفادة من هذه الجوهرة الرائعة من العمارة المسرحية، التي ظلت محفوظة على حالتها، والتي كانت للأسف في حالة سيئة تتعذر معها زيارتها. وبفضل هذا العطاء الذي قيمته 10 ملايين يورو من أبوظبي استطعنا أن نعيد تأهيل هذا المسرح العظيم، مع دعم من الدولة بكل تأكيد، وأدعوك لزيارته، بدلاً من أن تدخل نفسك في إثارة مواضيع عقيمة.
قالت وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة كلمتها بثقة وهدوء تامين، وهي واقفة أمام الميكروفون، ثم عادت إلى مكانها، بينما كان النائب الذي وجه السؤال يهز رأسه وينظر إلى زميله الذي بجواره ضاحكاً، في محاولة للخروج من المأزق الذي أوقع نفسه فيه، بعد أن كشفت الوزيرة جهله ليس بالجغرافيا فقط، وإنما بالتاريخ أيضاً.
لا أعتقد أن رداً يمكن أن يكون أكثر بلاغة من رد الوزيرة الفرنسية، على أولئك الذين يحاولون تشويه الأشياء الجميلة، فقد نسي ذلك النائب أن فرنسا التي تعتز بتراثها وفنونها ونفائس مقتنيات متاحفها، لم تسمح بافتتاح فرع لأهم وأغلى متحف في العالم.
إلا في أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكن أنى لنائب يجهل أين تقع أبوظبي أن يعرف أن في دولة الإمارات نهضة ثقافية وفنية حضارية، لا تقل عن الغرب الذي ينتمي إليه، وأن لها دوراً رائداً في تشجيع الثقافة والفنون، داخل دولة الإمارات وخارجها.
وأن الجمهورية الفرنسية عندما قررت إطلاق اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على المسرح الإمبراطوري في قصر «فونتينبلو» بالعاصمة الفرنسية باريس، فهي إنما فعلت ذلك تعبيراً عن شكرها وعرفانها لمساعي دولة الإمارات الكبيرة في إعادة هذا المَعلم العريق إلى الحياة مرة أخرى، وحفظه من الاندثار، بعد فترة إغلاق تجاوزت 100 عام.
يعد قصر فونتينبلو، الذي يقع في الضاحية المعروفة باسمه، جزءاً أصيلاً من مكونات التاريخ الفرنسي. ومن بين أبرز الأحداث التاريخية التي شهدها القصر، توديع نابليون الأول لحرسه وحاشيته قبل ذهابه إلى المنفى عام 1814. كما كان مقراً لنابليون الثالث، إمبراطور الإمبراطورية الفرنسية الثانية في القرن الـتاسع عشر، وقد سكن هذا القصر التاريخي 34 ملكاً وإمبراطوراً فرنسياً، ويحتضن إحدى أكبر مجموعات الأثاث العتيقة في فرنسا، والقطع الأثرية والفنية، التي تصل إلى 1530 قطعة ثمينة.
ويأتي مشروع إعادة تأهيل مسرح القصر الإمبراطوري، المقرر أن يفتح أبوابه للجمهور بشكل نهائي في ربيع عام 2019، ليروي تاريخ القصر الغني، ويعرّف زوّاره بالبراعة المعمارية الراقية التي صمّمها هيكتور ليفيول للعائلة الفرنسية الحاكمة بين 1853 و185، يأتي هذا المشروع ليعبّر عن مدى إسهام دولة الإمارات في خدمة الحضارة الإنسانية، وهو ثمرة للتعاون الإماراتي الفرنسي في مجال حفظ التراث الحضاري، أما الذين يثيرون لغطاً حول مثل هذه المشاريع، مثلما فعل النائب الفرنسي، فهم إنما يفعلون ذلك إما من باب الجهل بهذه الحقائق، أو من باب محاولة تشويه سمعة هذه البقعة من العالم، وهي بقعة تشع نوراً وحضارة وفناً وثقافة، في زمن يطغى فيه الظلام والجهل والتطرف والتشدد على المشهد، وينعكس سلباً على صورة العرب والمسلمين لدى الآخرين، إلى درجة أنهم لا يفرقون بين من يسهم في خدمة الحضارة الإنسانية، مثل دولة الإمارات وشقيقاتها من الدول الخليجية والعربية التي تتصدى للإرهاب والتطرف، وبين الجماعات والتنظيمات المتطرفة، مثل داعش والقاعدة وغيرهما من جماعات الإسلام السياسي المتطرفة، التي تنشر القتل والخراب والدمار في كل مكان، ويضعون الجميع في سلة واحدة، رغم البون الشاسع بين من ينشر الضياء ومن يغرق العالم في ظلام دامس.
لماذا تعمل دولة الإمارات على مد جسر بين الحضارات، بينما يعمل الآخرون على هدم كل الجسور، وقطع كل أواصر التواصل مع كل الحضارات والثقافات التي يتشكل منها تاريخ الإنسانية؟ سؤال ربما يبدو جوابه معروفاً لدينا نحن أبناء الإمارات، ولدى أولئك الذين يعرفون دولة الإمارات وقيادتها وشعبها.
أما الذين يجهلون جهود دولة الإمارات وإسهاماتها في حفظ وصيانة التراث الإنساني ومد الجسور بين الحضارات، فيجب ألا نفقد الأمل في كسبهم وضمهم إلى قائمة الأصدقاء، وكل ما نتمناه أن يكون النائب الفرنسي الذي طرح السؤال على الوزيرة الفرنسية قد أصبح واحداً منهم.
نقلاً عن " البيان " الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة