قصة اللوفر أبوظبي أشبه ما تكون بالملحمة الثقافية والحضارية .
هنا آشوريٌ متقلدٌ سيفه، ورومانيٌ معتقلٌ رمحه، هنا أليكسندر ينظر عبر الزمان، هنا فرعون مُسجى، هنا الجمال يتراقص عبر القرون، هنا من كل أمةٍ أثرٌ وكل تاريخ حقبةٌ وكل حضارةٍ عينةٌ وكل رمزٍ سيرةٌ، هنا ملتقى الحضارات والثقافات والآثار والمتاحف، هنا متحف اللوفر أبوظبي.
وسط حشدٍ كبير من المدعوين يتقدمهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد افتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد متحف اللوفر أبوظبي، والرئيس الفرنسي وعدد من الملوك والرؤساء من الدول العربية والدول الصديقة، جاؤوا جميعاً احتفاءً بحلم محمد بن زايد، الذي بدأه قبل سنوات عشر من 2007 وحتى افتتاحه الأسبوع الماضي في 2017.
لا تتحقق الأحلام إلا بالعمل الدؤوب، ولا الأماني إلا بالإنجاز المتواصل، وقصة اللوفر أبوظبي أشبه ما تكون بالملحمة الثقافية والحضارية التي أخذت وقتها حتى تبلورت، وتكاملت كل عناصرها، وأصبحت درةً ثقافيةً في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع. الوعي بالتاريخ باعث على المعرفة بالأمم والشعوب والثقافات والحضارات، وهي معرفة تبعث على الفهم والإدراك للتاريخ البشري الطويل في مسيرته الطويلة نحو الحاضر، وهي ما يحثُّ على التسامح والتعايش ونبذ التعصب والتطرف، وما يعزز المحبة في وجه الكراهية، ويرسّخ البناء والتنمية والتواصل الإنساني وكل ما يحتاجه الإنسان المعاصر لينجح وينجز وينطلق للمستقبل.
لا تتحقق الأحلام إلا بالعمل الدؤوب، ولا الأماني إلا بالإنجاز المتواصل، وقصة اللوفر أبوظبي أشبه ما تكون بالملحمة الثقافية والحضارية التي أخذت وقتها حتى تبلورت، وتكاملت كل عناصرها.
المتاحف حديث التاريخ المباشر للأجيال الجديدة، تكتنز الماضي العريق، وتجمع مفاخر الأسلاف والأجداد، وتحفظ تاريخ الأرض وسكانها، وتعمّق جذورها في التاريخ، وتعزز مكانتها في الحاضر، فتتعلم الأجيال من قديمها المعرق وتستكنه في صدروها، وهي ترتقي مدارج الحضارة وذرى التقدم. لا يستغني الإنسان المتحضّر الحديث عن المتاحف، أياً كان تخصصه ومهما كان اهتمامه، ففيها للإنسان تأملٌ وتفكّرٌ وللمؤرخ بهجةٌ وللباحث درسٌ، وفيها معرض لفنون الأمم بشتى مدارسها وثقافات الشعوب بكل تنوعها والعناية بالمتاحف وإعلاء شأنها، والاهتمام بها ورعايتها واحدٌ من أهم مؤشرات تحضّر الدول وتطور الشعوب.
اللوفر أبوظبي يمثل خطوةً كبرى في هذا السياق، فقد عُنِي منذ البدء بجمع النوادر من تاريخ الإمارات العربية المتحدة وإنسانها القديم، والحضارات التي قامت على أرضها، كما استقطب التعاون والتكامل مع الكثير من الجهات والمؤسسات والمتاحف المعنية بالآثار والفنون، حتى يتجمع فيه ما لا يمكن إيجاده تحت سقف واحدٍ حول العالم، من الشرق والغرب ومن الدول العربية والإسلامية ودول العالم الصديقة والمحبة للتاريخ والعلوم والفنون. الحرص الظاهر على كافة التفاصيل في اللوفر أبوظبي أبرزه كتحفةٍ معمارية ومعلمٍ حضاري لا بمقتنياته الثمينة فحسب، بل بكل الرمزية التي اكتنزها بدءاً من التصاميم الهندسية المتميزة وصولاً لأساليب التقسيم والترتيب وفرز الحضارات، ليقدم للزائر وجبةً متكاملةً من العلم والمتعة. في المتاحف مخازن القيم والأخلاق والجمال، فيها قدم التنوع البشري كمحفزٍ على التعايش وفي حروب كراهيةٍ تعظ من يتفكّر، فيها الحرب والسلام، وفي اللوفر أبوظبي من كل هذا الكثير والمتنوع. ليس اللوفر أبوظبي أول متحفٍ في الإمارات ولكنه أغناها وأكثرها ثراء وغنى بنوادر المقتنيات وما يبهر من اللوحات، ويعكس تجمعاً للحضارات.
من جال في متاحف العالم يكتشف بسهولة، أن المتاحف أحد أهم الوجهات السياحية في أي مدينة، وأن كل متحف له روح أخّاذة وجمال فريد، وتتنافس الدول المتقدمة في غنى متاحفها وثرائها وندرة مقتنياتها.
صناعة الأسئلة المرتبطة بالتاريخ واحدة من مُتع المتاحف، فكم من أثر قديم غيّر نظرة العلم، وكم من لوحة عتيقة منحت معلومة مختلفة، وقد زرت مرة متحفاً في بريطانيا يعرض آثار الآشوريين بالعجلات التي تجرها الخيل، فتساءلت كيف لم يستفد منها المسلمون حين دخلوا تلك البلدان؟! أخيراً، فاللوفر أبوظبي درة وُجِدت لتبقى شاهداً حضارياً ومعلماً سياحياً ومعين علمٍ لا ينضب وناقل تجربةٍ أميناً.
نقلا عن " الاتحاد " الإماراتية
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة